مراجعات

مراجعة فيلم Hit the ROAD .. بين الفراق والامل كانت الرحلة

فيلم Hit the ROAD

ما الذي يمكن ان تقدمه في فيلمك الاول عندما تكون ابنا لمخرج عالمي قضي معظم سنوات فنه محاصرا من قبل السلطة ؛ مخرجا تهرب افلامه لتصل الى العالم  فتحصد الجوائز العالمية على الرغم من انها طالما كانت مقيدة بامكانياتها المادية والفنية.

مراجعة فيلم Hit the ROAD

يعد المخرج جعفر بناهي واحد من أهم المخرجين الايرانيين الذين اختاروا الشجاعة والتمرد أسلوبا لطرح أفكارهم؛ فمنذ بدايته عارضته السلطة ومنعت أول افلامة القصيرة رؤوس مدماة لعدة سنوات ؛ عاش جعفر دوما محاصرا لذلك أعتاد على انتاج أفلامه بأقل التكاليف من حيث التصوير واختياره لممثلين غير معروفين ولكنه كان تلميذا للمخرج العالمي عباس كيارستمي لذلك تأثر به من خلال اهتمامه بالطبقات الفقيرة والتركيز على الاطفال ؛ وقد عملا معا حيث كتب له كيارستمي بعض من افلامه منها ذهبي قرمزي و فيلمه الروائي الاول البالون الابيض وهو الفيلم الذي جعل من جعفر مشغولا بقضايا ووضع المراة الايرانية حيث الهمته الطفلة بطلة العمل للنظر الى مستقبلها المخيف في ايران  فقرر حينها عدم السكوت.

فيلم Hit the ROAD
فيلم Hit the ROAD

 

وحين قدم فيلمه تاكسي عام 2015  ظهر جعفر كسائق تاكسي فاقترب مما يشغل الناس في العاصمة طهران من خلال محادثات مع شخصيات مختلفة عن ظروف البلد اوالعمل والسينما وبالتأكيد ظهر فيه دعمه للمرأة من خلال تقديمه لشخصية المحامية نسرين ستوده أحد كبار محامي حقوق الانسان في ايران ؛ كان ذلك فقط من خلال كاميرا مثبتة داخل السيارة ؛ الفيلم تم تهريبه الى برلين وحصل على جائزة الدب الذهبي وجائزة لجنة التحكيم الكبري في الدورة 65 لمهرجان برلين السينمائي تسلمت الجائزة ابنه اخته والتي قد أدت دورطفلة محبة للتصوير والافلام .

حينها لم يتمكن جعفر من السفر لانه كان تحت الاقامة الجبرية بقرار من السلطة صدر عام 2010  حيث قضي خلالها عدة اشهر في الحبس وتم منعه من صناعة الافلام لمدة 20 عاما ولكنه مع ذلك لم يتوقف فيقول جعفر “أريدكم أن تضعوا أنفسكم مكان صانع أفلام لا يجيد سوى صناعتها، ولا يحب سوى تلك الصناعة، كم 20 عامًا لديّ لأضيعها؟ إنني لا أستطيع أن أبقى خاملا وأهدر حياتي، هذا ليس إفراجًا، فقط خرجت من سجن صغير لأحبس في آخر أكبر”

فيلم Hit the ROAD
فيلم Hit the ROAD

 

اما الابن باناه باناهي فيخطو خطوته الاولى متأثرا بتاريخ والده الفني واسلوب كيارستمي حيث ظهر فيلمه  في أكثر من 30 مهرجانا حول العالم ويأمل ايضا ان يتم عرضه في ايران ويقدم من خلاله  محنة عائلة تترك كل ماتملك بحثا عن امل جديد من خلال الابن؛ ذلك بأسلوب يمزج بين الحزن واللحظات العفوية الدافئة سواء بين العائلة او مع من يقابلونهم في الطريق وروح من الخوف تتسلط على شخصية الام لتؤكد على ماضي المخرج المزعج مع عائلته ومحاصرة والده حيث يقول باناه انهم كانو دوما يتهامسون كلما تحدثو في امر معارض للسلطة.

قصة فيلم Hit the ROAD

يحكي فيلم Hit the ROAD عن عائلة تتوجه في رحلة غامضة دون معرفة سببها ؛ ففي مشهد البداية يضع الطفل يده ويمررها على ساق والده المكسورة حيث رسم عليها مفاتيح بيانو ؛توحي موسيقى شوبرت المستخدمة في الخلفية ان تلك الرحلة لن تكون سعيدة ؛تغادر سيارتهم في طرق صعبة وعرة وقد تم استخدام السيارة بشكل اساسي حيث يقول المخرج انها تعتبر البيت الثاني لهم في ايران فهي مساحة صغيرة للحرية والابداع .

قائمة افلام نتفليكس 2022 التي لا بد من مشاهدتها هذا العام

نكتشف ان تلك الرحلة هي محاولة لتهريب الابن الى خارج البلاد فمغادرة ايران يعتبر حلما للكثير نتيجة للقمع في البلاد . ولكن الفيلم لا يكرر الحديث عن المعاناة واصلها ولا يلقي اهتمام بخلفية الاحداث.

فهناك ايجاز واضح للزمن ربما لاسباب رقابية ؛ لذلك يسحبنا المخرج بايقاع هادئ بطئ نسبيا نحو مشاعر الابطال والتي تتأرجح بين ان يكون الفراق املا وتعويضا لخسارتهم  وبين لحظات اخرى من الانهيار والتمنى بعدم الذهاب.

فيلم Hit the ROAD
فيلم Hit the ROAD

فحزن الام نترجمة من اللحظات الاولى فقلبها مثقل بالقلق والعجز ففراقه يمزق قلبها لكن عليها تشجيعه ليواجه مصير غير معروف ؛ تجمع له صور التقطها وهو صغير وتهديها له كذكرى ربما يفتتح معرضا فنيا يكون سبب شهرته في الخارج اما هو فيتساءل هو مالذي يمكنهم ان يفعلوه في غيابه .

في رحلتهم يضحكون ويبكون ويغنون كمحاولة منهم لتخطي ما ألفوه من حياتهم العادية لانهم اذا مابحثو عن فكرة لم الشمل مرة اخرى تكون بلا جدوي ؛ فهم يدركون صعوبة مايمرون به والذي يلمس ايضا ابنهم الاصغر والذي سيعرف تجربة الفراق لاول مرة سواء لاخيه او لكلبه المريض  فيتحولون هم الى كائنات قد تبيح الغدر به في سبيل حماية ابنهم من الالم.

على الرغم من انه تم رسم شخصية الطفل بصورة حيوية وتلقائية ولكنه يظل  في حواره يردد “هل هو ميت؛نحن موتى؛ اريد ان اقول الوصية” كأنه يرمي الى مستقبله في حين ان الاب لديه حالة من الخدر والمسايرة  معبرة عن عجزه في وصل تلك العلاقة والرابطة التي في سبيلها الى الانتهاء فنفسه لا تستطيع استيعاب ذلك على الرغم من البرود الواضح وصمته الطويل.

تتكرر تلك اللحظات الطويلة الصامتة من الاب والام ففي احد المشاهد تراقب الام النجوم في السماء في حزن صامت فقلبها معلق بفريد الذي غادر لتوه ؛ ويخفف شعورها براءة الحكاية التي يحكيها الاب لطفله الصغير ففريد غادر ليقابل باتمان ليجلب منه قناعة الاصلي؛ يظهر هنا تأثر المخرج بفيلم ستانلي  كوبريك  2001: A Space Odyssey الفيلم الذي ترشح لاربع جوائز اوسكار وحصل على جائزة الاوسكار لافضل مؤثرات بصرية ؛ يختفي الاب والابن هنا داخل ثقب اسود في تأثر بصري بالفيلم الذي برع فيه كوبريك في تقديم فلسفته من خلال ابهار الصورة  واللعب على الرمزية .

فيلم Hit the ROAD
فيلم Hit the ROAD

 

يستخدم فيلم hit the road الاغاني بشكل مكثف تعبيرا عن كل اللحظات التي يمر بها ابطاله  فيتذكر مخرج الفيلم اثر الموسيقى في تهدئته في كل ماكان يمر به في لحظة صعبة من وداع اخته عندما كانت تستعد لمغادرة البلاد هربا من السلطة.

اعتمد الفيلم على اغاني ابوب الايرانية قبل الثورة مثل اغاني  دلكاش وشهرام شابريه كاشارة منه وتحية لهؤلاء الفنانين ومصيرهم بعد الثورة

فهناك حالة من الحنين والحب المشتركة بين الايرانيين لهؤلاء الفنانين وللماضي فلولا الثورة مااصبح الحلم العادي لشباب الايران منذ فترة الثمانينات هي مغادرة البلاد دون رجعة حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

فمنذ قيام الثورة  عام 1979 تم فرض القيود على المغنيين حيث تعتبر الموسيقى لاتنتمي لمبادئ ومزاج الثورة الاسلامية فقد تم منع غناء المغنيات امام الجمهور حتى ان القانون يعاقب اللاتي يغنين بدون ترخيص رسمي ب 79 جلدة ولكن يسمح لهن بالعزف على خشبة المسرح .

فيلم Hit the ROAD
فيلم Hit the ROAD

 

تعد دلكش التي طالما ماكانت جريئة في ملابسها او شربها للكحول اثناء الغناء واحدة من اكبر مغنيات البوب في ايران وهي الموسيقى الاكثر شعبية هناك  بجانب موسيقى الراب والروك ؛ بدأت دلكش الغناء عام 1934 والهمت العديد من المطربات من بعدها فقد عاشت فترة ازدهار الموسيقى وفترة الثورة.

اما شهرام شابريه بدأ حياته كلاعب طبول في أوائل الستينيات بعد قيام الثورة الايرانية هاجر الى كاليفورنيا ولم يعد لوطنه مرة اخرى لذلك يعد الفيلم معبرا عن مشاعر ممتدة منذ قيام الثورة ولا تقتصر على الفنانين بل انها حالة عادية من اجل الاستقرار لذلك نجد الفيلم يحرر نفسه من الصدام والحزن لانه قرار مصيري واعتيادي

ففي مشهد الوداع الاخير يظهر التأثر الواضح بسينما عباس كيارستمي والتي كانت واضحة في لقطات الفيلم منذ بدايته من خلال اللقطات المتكررة للطبيعة سواء الصحرواية والتي تعبر عن مشاعر الغربة والخواء ومع تغيرها الى المناطق الريفية  كدلالة على احتمالية الخير ؛

سمح للطبيعة ان تتنفس وجعل من السحاب عنصرا متحركا يهيمن على مشاعرهم اما هم فيظهرون في اخر الكادر باحجام ضئيلة تكاد لا ترى فلا معنى لوجودهم وتعبيراتهم ولا ندرك سوى محادثتهم عن صعوبات الطريق وتكاليف شراء الخروف بالكامل ليتمكن الابن من ارتداء جلده للتخفي وطفلهم وهم فاقدين للسيطرة عليه ومحاولة الهائه لمغادرة اخوه حيث تتقاسم السماء والارض الكادر ويزداد الضباب بلونه الرمادي الخانق وتختفي حمرة الغروب الدافئة ؛ تكوين يدفعك للتأمل ولكنك لن تتمكن منه سوى بمزاج حزين.

مي امجد
ناقدة فنية، حاصلة على ليسانس أداب قسم اعلام ودبلوم النقد الفني من أكاديمية الفنون بالقاهرة ؛ مهتمة بالسينما والفن التشكيلي.