في بداية مراجعة فيلم fast and furious 9،يمكن القول أن الكل بلا أدني شكل يعرف أن الإستمرارية في شئٍ ما هي من أسرار نجاحه الذي لا يولد في لحظة ولا يمكن بلوغه إلا بتعلم كافة نواحيه، تلك المقولة تنطبق بطبيعة الحال علي كل أمور الحياة، ولكن لنضع الأمر داخل إطارٍ مصغر ونرتحل سوياً إلي عالم السينما وصناعة الأفلام، أو بالوصف الأدق صناعة سلاسل سينمائية يمكنها إيجاد القبول والدعم بتكرار إيجابياتها وإضافة المزيد عليها.
منذ إنطلاقتها عام 2001 وحتي وقتنا هذا، لا تزال سلسلة أفلام “The Fast and The Furious” صامدة حتي الآن وتصل للمرحلة التاسعة في خط أحداثها الرئيسي، وذلك ينبع من قدرة القائمين عليها من كتاب ومخرجين وغيرهم من إيجاد التوليفة المناسبة لتلك الأفلام من أفكارٍ مبتكرة علي مستوي الأكشن والحركة، والتحديات العصيبة التي تواجه أبطال السلسلة مرةٍ تلو الأخري.
مراجعة فيلم Hobbs & Shaw – سجال تشوبه اللامنطقية
الإستمرارية في تحقيق ذلك وتسخير المجهودات الازمة من أجل توفير كل جديد ممكن ومحتمل أن يثير إعجاب الأنصار ترتب عليه الكثير من القابلية لتلك النوعية من الأفلام، وتماثل الكثيرين لعقلية معينة تتغاضي عن بضعة السلبيات المتعلقة بالقصة ومنطقيتها وما إلي ذلك في ظل ما يتم تحديثه في طبيعة المحتوي الخاص بكل جزء متوالي وراء الأخر.
في فيلم fast and furious 9، التطبيق مستوفي كل هذه الشروط، والجديد هذه المرة ليس فقط في الطابع الملحمي أو الحركي إن صح التعبير، بل في أبعاد القصة التي كانت تميل للدراما في أونةٍ كثيرة وبشكلٍ أكبر عن الجزء الثامن “The Fate of the Furious”، وكل ذلك أدي إلي حصول محبي السلسلة علي فيلمٍ جيد وممتع إلي حدٍ كبير، مدوي في الأكشن الخاص بيه وغير مبالغ فيه إلي حدٍ كبير درامياً.
يتناول فيلم fast and furious 9 المواجهة الجديدة بين فريق “دومينيك توريتو” ضد شقيقه الأصغر “جايكوب” الذي بات قاتلاً مدرباً علي أعلي مستوي ويتعاون مع “سايفر” عدوة “دوم” من الجزء السابق، والتي تحمل ضغينةً شخصية له بعدما تسبب في فرارها وإنهيار مخططاتها بالكامل.
ما يميز سيناريو فيلم fast and furious 9 هو إعطاء الوقت المناسب من أجل تقديم كافة التفاصيل المؤدية لفهم العلاقة المضطربة بين “دومينيك” و”جايكوب” التي أدت لتفاقم الصراع بينهما حينما تعلق الأمر بالتقنية التي يرغب الأخير بالحصول عليها، ومن هنا يتجلي أيضاً عنصر الدراما في الكثير من المشاهد وبتتابع جيد غير مبتذل من أجل إستعطاف المشاهدين بما يطمأن صناع الفيلم أن هناك إستيعاباً لما يحدث.
بل هناك توازن جيد بين ذلك الشق ونظيره الحركي، وذلك ساهم في إنضباط إيقاع فيلم fast and furious 9 الذي شهد إنسجاما مقبولاً بين العناصر المختلفة بما فيهم الحوار الذي لم يكن دخيلاً علي الأحداث مطلقاً، بل كان مفيداً بشكلٍ كبير في فهم طبيعة بعض التفاصيل مثل حقيقة نجاة “هان سولو” من الموت كما حدث في الجزء الثالث “Tokyo Drift”، والذي كان مبررٌ إلي حدٍ كبير، والأهم من ذلك أنه أعاد إحدي شخصيات السلسلة المفضلين عند الكثير من محبيها.
يحسب لفيلم fast and furious 9 أيضاً تمديد تواجد شخصية “سايفر” بالسلسلة، فهي ليست شخصية تمتلك المهارات القتالية والبنية الجسمانية القويمة مثل “دوم” و”جايكوب”، بل هي تتمتع بخبثٍ ودهاء وقدرة علي التلاعب بالأخرين، وسيناريو الفيلم أكمل ما إستثمره الجزء السابق، وقدم من خلاله التحول الرئيسي بالفيلم عند النهاية الذي ربما يفتح باباً من الإحتمالات لما يمكن أن تقدمه السلسلة في جزئيها الأخرين، ولذلك يمكن القول أن “جاستين لين” عاد بجملةٍ من الأفكار المناسبة التي كونت الهيكل الأساسي لقصة هذا الجزء، ونجحت في نيل ثناء الكثير من النقاد علي التطور الكبير في صياغة المعالجة السينمائية لسلسلة غرضها المتعة في المقام الأول.
إخراجياً، يقدم “جاستين لين” مجموعة من مشاهد الأكشن التي لا يمكن وصفها إلا بالجنونية، هناك تخطي واضحٍ وصريح لحاجز المنطق في صناعة الحركة وإظهار معالم التطور الرهيب في إبتكار مفارقاتٍ معقدة كل واحدةٍ منها تحمل قدراً غير عادي من الإشتباكات ومطاردات السيارات وغيرها من المركبات، والمذهل في الأمر أنه يصعب المقارنة بين تلك المشاهد بما يوحي بمن الأفضل، بل يظهر فعلياً كم المجهود الكبير الذي بذله “جاستين لين” خصوصاً علي مستوي الكوريوغرافيا وظهور المشاهد بأفضل صورةٍ ممكنة.
كل فريق التمثيل القديم قدم مردوداً جيداً كالعادة، وخصوصاً “فين ديزل” الذي أظهر مقدرة علي إرتجال العاطفة بتعبيرات وجهه بطريقة جيدة، و”تايريس جيبسون” في الجزء الكوميدي من الفيلم والذي كان متجانساً فيه مع زميله “لوداكريس” خصوصاً في إحدي أفضل مشاهد الفيلم التي ربما تسائل الكثيرون علي إمكانية تواجدها بالسلسلة من عدمه وحدثت بالفعل.
ولكن يجب تخصيص بضع كلماتٍ عن نجم “WWE” الشهير والدخيل الأحدث ل”هولييود” من عالم المصارعة “جون سينا” الذي كان نداً لا بأس به ل”فين ديزل” ويأتي في المرتبة الثالثة بعد الأخوين “شو” الذان جسداهما “جايسون ستاتام” و”لوك إيفانز”، حيث يأتي تميز “سينا” في قدرته علي إظهار مدي الكره والحقد الدفين من قبل “جايكوب” لشقيقه “دوم” سواءاً بالإنفعالات أو بالحوار النصي، وأيضاً في مدي اللياقة البدنية الكبيرة التي يتمتع بها بعد غيابه عن حلبات المصارعة لفترةٍ طويلة، مما قدمه.
يمكن القول أن ل”سينا” من الممكن أن يحظي بعديد الفرص سينمائياً إن أحسن إختيار المشاريع المناسبة التي تبرز قدراته مع المخرج المناسب الذي يمكن أن يخرج منه أفضل ما لديه، والمستقبل سيكشف ما إذا كان “سينا” علي الطريق الصحيح الذي أتخذه “دواين جونسون” حتي صار الأعلي أجراً في “هولييود” أم لا.
في الختام وعلي الرغم من إقتراب سلسلة “The Fast and The Furious” من نهايتها، لم يشعر فيلم fast and furious 9 المشاهدين بأن رحلة “دومينيك توريتو” ورفاقه توشك علي النهاية، بل الفيلم مجرد مزيدٍ من التطور لإحدي صور المتعة السينمائية التي يتهافت عليها عشاق الأكشن والإثارة وخصوصاً من الشباب لمتابعتها وقت صدورها بدور العرض المختلفة.
1 Comment