فكرة فيلم Everything Everywhere All at Once
إذا ذكرت العوالم الموازية، يأتي على الفور لمخيلة البعض ذلك المنظور الهزلي التي تشكلت عليه عديد القصص الخيالية الخاصة بعوالم “دي سي” أو “مارفل”، وهما اللذان سطرا إرثهما الطويل في عالم التسلية من خلال طرح هذه الفكرة ولكن منظوراتٍ عديدة وأبعاد مختلفةً متشابهة في المضمون ولكن تتفرد كل واحد منهم على مستوى التنفيذ وتكوين الأحداث.
ولكن يتبدل الوضع كليتاً هذا العام بمفاجأة مدوية صارخة في محتواها سريعة كالبرق وتقدم فكرة الأكوان المتعددة بفلسفةٍ سردية جديدة تماماً، وبعيدة كل البعد عن المقارنات بأعمال الكوميكس السينمائية الشهيرة التي دوماً ما تتشكل بناءاً على فلسفة الخير والشر، ووجود بطلٍ خارق أو مجموعة من ذوي القدرات الغير عادية في مواجهات مع شريرٍ عتيد يشكل خطرا كبيراً وتهديداً سيداهم البشرية ويتسبب في هلاكها فعلياً.
قائمة أفلام 2022 المنتظرة من الجمهور
فيلم Everything Everywhere All at Once الذي يعد أحدث إصدارات شركة ” A24″ يمكن القول عنه بأن قد تفوق تماماً على ما قدمه عالم “مارفل” السينمائي حتى الآن فيما يخص الأكوان المتعددة أو “المالتيفرس” كما يعرف عنها أيضاً، وهي التي شهدت تراجعاً كبيراً بعدما لم يتم التعمق بالشكل المطلوب في آخر أعمالها “Multiverse of Madness” الجزء الثاني من فيلم ” Docter Strange”، مزيج قوي بين عدة عناصر سينمائية تتحد سوياً في قالبٍ سينمائيٍ محكم هو الجنون بعينه، والربط الذكي تماماً بالواقع في صورةٍ درامية ملحمية ربما ستدوم في ذاكرة الجمهور لفترةٍ طويلة.
قصة فيلم Everything Everywhere All at Once
تدور أحداث فيلم Everything Everywhere All at Once عن “إيفيلين” المهاجرة الصينية التي تتورط في مغامرة بالغة الجنون، حيث تكتشف انها قد تتمكن من إنقاذ عالمها من خطرٍ كبير يلاحقه عن طريق الاستعانة بشخصياتها من الأكوان المتوازية.
مراجعة فيلم Everything Everywhere All at Once
ما يميز سيناريو فيلم Everything Everywhere All at Once هو الطرح الغير مباشر للفكرة العامة التي يقصدها إلى جانب تكوين منهجية مختلفة عن الأكوان الموازية، بمعنى أنه لا يمكن من البداية تصور ما تشير إليه الأحداث صوب تلك الفكرة منذ الفترات الأولى للفيلم، والتي ستلوح للجميع على أنها تجنح للصيغة التجارية البحتة المتمثلة في صراعٍ ما يتعين على البطلة خوضه من خلال الأكوان المتعددة كي ينتصر الخير على الشعر بالنهاية التقليدية التي يعرفها الجميع دون شك.
فالأمر ببساطة ودون خوض في تفاصيل لتجنب الحرق يعتمد على منظور الوجودية التي تتعارض مع التحكم في رغبات الآخرين وما يؤمنون به التي يفشلون في تحقيقها في ظل مشيئة البعض التي تأمر دون إعتراض وتصدر أحكامها فلا رجعة فيها، يتناول الفيلم تلك الفلسفة بخيالية في أولها تتجلي بعد ذلك في صورة ممزوجة بالاسلوب المبنية عليه الأحداث توضح المعنى وتتفرد بالفيلم عن أية تقليدية متعلقة بالصراع الذي نراه متكرر بعديد الأعمال.
ما سيلفت انتباه الجميع أثناء المشاهدة هو سرعة إيقاع أحداث فيلم Everything Everywhere All at Once، وتركيبة السرد الجنونية تلك التي تتنقل بين الكثير والكثير من المواقف داخل عالم الفيلم الأصلي والأكوان الموازية له، ربما يكون الفيلم فعلياً أسرع من المعتاد ويصعب في بعض الآونة القليلة الوصول لترابط كلي بين كافة ما يحدث داخله، ولكنها على النقيض رمزية شديدة الذكاء من المخرجين الملقبان ب”دانيلز” تشير للتغير الثقافي والفكري الكبير الذي يمر به أبناء الجيل الحالي والمراحل الانتقالية الكثيرة التي يمرون بها دون وعيٍٍ من الكبار وتعاملٌ معها بطريقة مثالية.
كل ما سبق تم تقديمه معززاً بمونتاجٍ محكم في التنقل السريع بين مشاهد الأكوان ونظيرها من فلاش باك وغيره، وكذلك إبراز التحولات التي تطرأ على الشخصيات في لحظاتٍ معينة ، يأتي ذلك بالإضافة إلى المؤثرات البصرية التي تتجلي خصوصاً بمشاهد الأكشن والقتال في النص الثاني من الفيلم، والاستخدام المتمكن للكوريوغرافيا في تصميم تتابعات الحركة المستمرة التي كان يعلو معها الإيقاع وتعدو معها الأحداث كما تم التوضيح لمضمونها مسبقاً.
بطلة الفيلم النجمة “ميشيل يو” لم نشاهدها بمثل هذه الحيوية منذ مدة على الرغم من كونها دؤوبة بالعمل داخل العديد من الأفلام الهوليودية، ولكن تركيبة شخصية “إيفيلين” المعقدة و الحراك الدائم للشخصية بالطريقة التي إستُعرضت بها تجعل ظهور “يو” مرضى إلى أبعد الحدود.
وهي التي أجادت العديد من تعبيرات شخصية “إيفيلين” وسط ما يحيط بها من مخاطر عديدة، والارتجال الدرامي في المواقف التي تجمعها بالشخصيات المساندة التي يأتي على رأسهم النجمة “جيمي لي كيرتس” بدورها الصغير الجيد بحق، وأيضاً القيام بمشاهد الأكشن على الخطيرة على الرغم من تقدمها الواضح في العمر هيئةً وفي اللياقة البدنية، أداءٌ سيجعلها بلا شك في قائمة النجمات التي من الممكن ترشحهم للاوسكار عن التمثيل هذا العام مبدئياً حتى وقت الجوائز لعله تحدث مفاجأة كما جرت العادة بالسنوات الأخيرة.
في الختام، إستحق فيلم Everything Everywhere All at Once تلك المكانة التي نالها عن جدارة بكونه التعويض الكبير لخيبة الأمل في فيلم Multiverse of Madness، وربما يكون بداية الطريق لعديد الإصدارات السينمائية التي تعتمد على فكرة الأكوان المتوازية، وبعيدة في محتواها بكل تاكيد عن ما يتم تقديمه بأفلام القصص المصورة.