مراجعة فيلم Dune
بعد كثير من الانتظار و العديد من التأجيلات بسبب فيروس كورونا الذى انتشر مؤخراً و تسبب بحالة من الكساد فى السينما العالمية بالعام الماضى يصل أخيراً الفيلم المُنتظر Dune للمخرج العبقرى دينيه فيلينوف و الذى قدم لنا الكثير من التحف السينمائية على مدار العقد الماضى جعلت من فيلمه الجديد حدث سينمائى ضخم يستحق الانتظار فهل كان عند التوقعات؟
قصة فيلم Dune :
تدور أحداث الفيلم عن بول أتريدس وريث عائلة أتريدس الذى ينتقل مع والده إلى كوكب أراكس حيث مخزن المادة الأهم فى المجرة و اللازمة للسفر عبر النجوم “التوابل” بعد وصول أوامر الإمبراطور التى تعطيهم ولاية كوكب أراكس لإعادة النظام فيه و إستعادة إنتاج التوابل مرة أخرى و لكن بول يجد أن عائلته فى مواجهة مع الإمبراطور و عائلة الهاركونين التى تصارع على الحكم.
https://www.youtube.com/watch?v=8g18jFHCLXk
أجواء فيلم Dune و تصميم العالم الخاص به فريد من نوعه فيجمع ما بين الخيال العلمى و التطور التكنولوجى و لكن فى أجواء أقرب إلى عوالم إمبراطوريات العصور الوسطى حيث صراعات الحكم المحتدمة و الدروع و السيوف المنتشرة بكل مكان.
يمكنك من خلال النظرة الأولى أن تعلم أن عالم Dune هو عالم واسع للغاية ملئ بالشخصيات و العوائل و الكثير من العناصر الغريبة سواء كانت أماكن أو موازين قوى أو أسلحة أو قوى سحرية و هو ما يجعل مهمة هذا الفيلم بالغة الصعوبة للوصول إلى التوازن السليم بين تقديم هذا العالم و إرساء قواعده و شخصياته و بين تقديم فيلم متكامل و ممتع قادر على إمتاع المشاهد فى حد ذاته و تقديم قصة و حبكة تستحق المتابعة و بعيدة عن الملل قدر الإمكان.
مهمة نجح فيها الثلاثى المسؤول عن كتابة سيناريو الفيلم إريك روس، جون سبايتش و فيلينوف بشكل إستثنائى فمن خلال الساعة الأولى شاهدنا إرساء بطئ لقواعد العالم و عناصره من خلال جميع الأدوات المتاحة فمنها ما يقوم أحد الشخصيات بشرحه و منها ما يتم تقديمه مباشرة على مستوى الصورة و منها ما تم تقديمه كنتائج اعتمد فيه فيلينوف على ذكاء المشاهد و خياله و هو ما وفر كثير من الوقت الذى كان بالإمكان إهداره فى عملية الشرح و التى لا تمثل الجزء الأكثر جاذبية فى أى فيلم أو عالم سينمائى و لكن دائماً ما ينْصبّ الاهتمام على ما يأتى بعدها من أحداث ملحمية.
بالرغم من ذلك التقديم البارع لعالم الفيلم و الذى استغرق ما يقارب النصف الأول منه بالتوازي مع حركة شخصياتنا الرئيسية المتمثلة فى عائلة أتريدس بخطوات بطيئة نحو قلب الحبكة إلا أن بعض المشاهدين قد عانوا من الملل و آخرون أعربوا عن عدم قدرتهم على استيعاب هذا الكم من التفاصيل و بالفعل تفاصيل هذا العالم و عناصره كثيرة للغاية و مليئة بالتعقيدات و مساحات من الغموض ليتم كشفها فيما هو قادم بالسلسلة و لكنى شخصياً أجد أن فيلينوف نجح فى فك أغلب هذه التعقيدات ببراعة و مع القدر المطلوب من التركيز بالفيلم يمكنك أن تفهم جميع التفاصيل التى طرحها الفيلم بسهولة و هو ما يُمثل تجربتى الشخصية.
فيلم Dune لديه ميزة أخرى يصعب تحديد صاحب الفضل بها ما ان كان فرانك هربرت مؤلف رواية Dune أم أنه دينيه فيلينوف و هى تقديم أدوات و أسلحة و تصميمات نراها للمرة الأولى و لم يسبق أن رأينا ما يشبهها من قبل لنرى درع فريد من نوعه مع شرح بصرى بحت كان فعالاً لفهم التقنية و لدينا طائرات بأسلوب طيران مميز لم أر مثله من قبل و هو شئ منعش فى العموم أن نرى هذا القدر من التجديد فى فيلم واحد بعد كل هذا الكم من أعمال الخيال العلمى.
فى النصف الثانى من الفيلم نشاهد الجانب الملحمى من عالم Dune فنشاهد معركة واسعة النطاق يتجسد بها صراع الفيلم و يصل إلى أقصى لحظاته فى حرب دموية اجتمعت بها السيوف و القنابل تمتصميمها و تنفيذها بصورة رائعة لتنحول إلى تحفة بصرية غير مسبوقة.
جانب المكر و الخيانة المعهود بصراعات العوائل على الحكم يظهر بقوة و بذكاء فى هذا الفيلم ليذكرنا بلمحة من عالم Game Of Thrones و قذارة الصراع المحتدم فيه على الحكم.
أفضل التحولات هو أكثرها سلاسة و أكثر التحولات سلاسة هو ذلك الذى لا تستشعر حدوثه بل تستدكه فجأة عند مقارنة الظهور الأول للشخصية مع الظهور الأخير؛ هذا بالضبط ما حدث مع شخصية بول أتريدس التى مرت بالعديد من التغيرات للوصول إلى الصورة النهائية التى حصلنا عليها مع نهاية الفيلم و هى صورة أكثر ثقة و حكمة من تلك التى شاهدناها ببداية الفيلم.
تيموثى شالاميه هو أحد الممثلين الشباب القادمين بقوة مرعبة فعندما تنظر إلى مشواره الفنى حتى الآن فستجد أنه مشوار استثنائى بالتناسب مع سنه الصغير و مع ذلك كان لدى مخاوف حول قدرته على حمل بطولة فيلم بهذا الحجم على أكتافه و لكنه يُثبت جدارته و أحقيته بالدور بدون منافس يُذكر ليقدم واحد من أفضل أدواره و يثبت أحقيته بالفرص التى تحصل عليها حتى الآن.
بجانب تيموثى فالمستوى العام للأداء التمثيلى بالفيلم كان ممتاز من الجميع إلا أن لحظات التميز تفرد بها أعضاء عائلة أتريدس فلدينا أوسكار إسحاق فى دور رائع يقدم فيه أداء عظيم بحضور يكتسح جميع من أمامه بالإضافة إلى ريبيكا فيرجسون التى تعيش فترة استثنائية بمشوارها الفنى تقدم أداء جميل بتجسيد ممتاز للحظات الصراع النفسى التى تمر بها الشخصية.
جيسون موموا يبرز بالرغم من الطاقم التمثيلى الحافل بالنجوم ليُثبت مرة بعد الأخرى أنه ممثل مجتهد و موهوب سواء على مستوى التجسيد أو الأداء الحركى بمشاهد الأكشن و التى استفاد بها بشكل واضح من تجربته بمسلسل See على وجه الخصوص لتشابه أسلوب قتاله بالفيلم مع المسلسل و أتساءل إن لم يقدم جيسون موموا فيلم أو سلسلة أكشن مميزة فى هذه السنوات فمتى سيفعلها!
اقرأ أيضاً: مراجعة فيلم The Guilty – نسخة هوليودية بلا هوية
التجربة السمعية فى الفيلم خلابة سواء كمؤثرات صوتية أو موسيقى تصويرية مميزة من الرائع هانز زيمر مما يفسر ترك زيمر مشروع نولان الأخير لأول مرة منذ ١٤ عاماً من التعاون من أجل هذا المشروع الضخم.
التصوير السينمائى و المؤثرات الصوتية فى أفضل حالة ممكنة كما هو متوقع من فيلينوف، تجربة استثنائية لا ينافسها بالسنوات الأخيرة إلا تحفة فيلينوف نفسه Blade Runner 2049 و الذى يتشارك مع Dune فى روعة كادراته و الإبهار على مستوى التصميم و التفاصيل.
دمج الأماكن و الديكورات و الأزياء بالمؤثرات البصرية كان رائع هو الآخر كعادة فيلينوف الذى أصبح خبيراً بعالم الخيال العلمى بعد تجربتين سابقتين كانا من أروع ما يكون فيبدو أن فيلينوف يميل لهذه النوعية من الأعمال التى تقدم له مساحة من الإبداع كافية لسد حاجة أحلامه الواسعة لصنع عوالم غريبة عنا و تقديم رؤيته الفنية من خلالها.
مشاكل الفيلم محدودة و طفيفة للغاية فتأثيرها السلبى على تجربة المُشاهدة ليس بالكبير و أبرز هذه المشاكل هو انخفاض رتم الفيلم بشكل مفاجئ بعد أضخم أحداثه لنحصل على لحظات هدوء كانت أطول من اللازم أثرت على قوة تسلسل النهاية بالإضافة للإستخدام الزائد أحياناً لمشاهد الأحلام و الرؤى بالرغم من جودة تنفيذها و دمجها وسط أحداث الفيلم.
فيلم Dune هو مجرد بداية؛ مدخل لعالم واسع و ثرى بالقصص و الشخصيات و الدراما مما يجعله قادر على الدخول فى مقارنات مباشرة مع أهم العوالم السينمائية مثل Lord Of The Rings أو Star Wars إن تم تقديمه سينمائياً بالشكل المناسب و هو ما آمل حدوثه مؤمناً بموهبة و أفكار فيلينوف الذى قدم لنا رسالة غير مباشرة على لسان زيندايا بنهاية الفيلم “this is just the beginning” ليختم بها فيلمه فى وعد منه بأن القادم سيكون أكثر إمتاعاً و ملحمية.
