في إحدى مشاهد فيلم don’t look up الرئيسية، نجد دكتور “إدوارد ميندي” والعالمة الشابة “كيت ديبياسكي” يحاولان جاهدين جذب انتباه رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية والتأكيد علي ان هناك كارثة حقيقية ستسبب في انقراض البشرية وهناك الارض، فما لبثت هيا بنظراتها الخبيثة وضحكتها الباردة المثيرة للاستفزاز تقول لهم بأنه لا بد من تقييم الموقف ودراسته بأريحية تامة.
تمعن معي عزيزي القارئ علي هذا الموقف وغيره من مواقف فيلم don’t look up, ستجد تجسيدياً حقيقياً الواقع حتي وان كانت أفكار المخرج والكاتب المعارض دوماً “آدم ماكاي” هزلية ومن وحي خياله، ولكن خيال “آدم ماكاي” الخصب ووعيه الإبداعي الكبير جعل الأمر أشبه بيوميات إنسانٍ عادي يراقب ويرصد بعينيه ما يحدث في العالم والتطورات الجنوبية التي طرأت عليه.
أسوةً بما قدمه في أفلامه السابقة “Vice” و “The Big Short”، يحضر “آدم ماكاي” قلمه المشاكس ولغته السينمائية الساخرة وثوريته الحادة في المحتوي وتعرية الواقع والفساد المتفشي في كل شئ، ولكن هذه المرة يبتعد عن الاقتباس المباشر لتفاصيلٍ حدثت بالفعل، ويطرح بحنكة صانعٍ للسينما حائز على جائزة الأوسكار قصة من وحي خياله ولكن بانعكسات علي ما يدور حولنا جميعاً دون ترك أي شئ لا يتكلم عنه.

JENNIFER LAWRENCE as KATE DIBIASKY. Cr. NIKO TAVERNISE/NETFLIX © 2021
مراجعة فيلم Vice – حاكم امريكا في الخفاء
وقد كانت النتيجة جيدة ليست مثالية بواقع فتور بعض المواقف الكوميدية وعدم ظهور بعض الممثلين بالشكل الائق، ولكنه عملاً جاي علي مستوي الضجة الكبيرة التي دعت إليه وأوحت لما بأن ما ستقبل علي مشاهدته “مقتبس من أحداث حقيقية لم تحدث”.
قصة فيلم don’t look up
تدور أحداث فيلم don’t look up عن دكتور “إدوارد ميندي” والعالمة “كيت ديبياسكي” الذان يكتشفا بأن هناك نيزكاً قادمٍ من السماء يهدد البشرية والحياة علي الأرض، ولكن في المقابل بجد لا مبالاة من الجميع وعدم انصياع لكلامهما الذي يوحي بخطورة الموقف وأنه يجب النظر للاعلي كي يعرف الجميع صدق “كيت” و “إدوارد”.
مراجعة فيلم don’t look up
يمتاز سيناريو فيلم don’t look up بتناوله المناسب للفكرة من ناحية تقديم انعاكسات الكارثة نفسها علي المستوي السياسي والإعلامي والاجتماعي وأيضاً الالكتروني مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياة البشر، ذلك العنصر تجلي بطريقةٍ كوميدية ساخرة ومباشرة بكل تأكيد تقارب الصورة الموجودة في خيال كل فردٍ يتعرض لهذا المحتوي.
ليس هذا فحسب، بل نجد اهتمام السيناريو بتوظيف الوقت من أجل الإشارة إلي ردود الأفعال الغريبة وحالة إلا مبالاة الشديدة من الجميع علي الشخصيتين الرئيسيتين علي الجانب النفشب وفي قراراتهم النابعة من تصدي العالم لهم ومواجهة ندائاتهم بعدم إكتراثٍ شديد، هذا العنصر وما سابقه وجد لهم “آدم ماكاي” التوازن المثالي في عملية السرد وبترتيب جيد للأحداث.
حتي في الفصل الأخير من فيلم Don’t look up، نجد التزام تمام من قبل “آدم ماكاي” في فرص حالة الواقعية في رسمٍ تخيلي مخيف قد يبان للبعض انه يسهل حدوثه في وقت ما أو في زمن ما لا نعرفه، وهذا هوا المميز في أعمال “آدم ماكاي” ومنهم هذا العمل الذي لم يترك شيئاً إلا وصب “آدم ماكاي” سرديته الحادة والساخرة عليه بأدق التفاصيل وأكثرها تشابهاً مع الأوضاع الحالية.
كما يعرف البعض، براعة “آدم ماكاي” الإخراجية تكمن في المونتاج والتنقل بين عديد اللقطات التي تحاكي الواقع باسلوبٍ أقرب للطريقة الوثائقي، وهذا ما برز فيلم don’t look up ايضاً بسلاسةٍ كبيرة، بالإضافة إلي بعض مشاهد الفصل الأخير من الفيلم التي كانت جيدة بصرياً وأفضل طريقةٍ ترصد ما حدث من نهاية منطقية تماماً.
شخصيات فيلم don’t look up ربنا يبان للبعض أنها كرتونية، ولكنها بطبيعة الحل قريبة فعلياً من الواقع مثل شخصية رئيسة أمريكا التي جسدها ببراعة “ميريل ستريب” وابنها الذي قام بدوره “جونا هيل”، وكذلك شخصيتي الإعلاميين الذان قدامهما بأداء مثالي “كيت بلانشيت” و”تايلر بيري”.الافضل علي مستوي الشخصيات المساندة هو “مارك رايلانس” في دور “بيتر إيشرويل” بلهجته الغريبة ونظرته البلهاء تلك التي كانت سبباً في بروز العنصر الكوميدي، وكذلك “روب مورجن” في دور دكتور “أوجلثورب” مساعد “كيت” و”روبرت” في إثبات حقيقة اكتشافهما.
“ليوناردو دي كابريو” يقدم شخصيةً معايرة عن طبيعته الدرامية، ولكن أجاد “ديكابريو” تقمص الشخصية بإرتجال إنفعالي مناسب ولغة حوار تحمل القدر المناسب من الجدية والأسي والتعب التي يعاني منه “إدوارد مينيدي” في سبيل توصيل الحقيقة، “جينفر لورانس” هي الأخري جيدة ولكنها لم تكن فعالة في الشق الكوميدي بعكس تمكنها من إبراز الحس الغاضب والصارم للشخصية في الكثير من مواقف الفيلم، والتناغم مع “دي كابريو” كوحدةٍ واحد و في مواجهة انعكسات أقوالهم وافعالهم علي غيرهم من الشخصيات.
في الختام، بالمقارنة مع أفلام “آدم ماكاي” السابقة، فيلم don’t look up هوا أقلهم من ناحية المحتوي والفلسفة السردية والقصصية، ولكنه يبقي عملُ مميز يحتوي الواقع وسلبياته داخل صورةٍ سينمائية خالصة له، وسينجح في ترك بعض الانطباعات الإيجابية عند انتهائه.
1 Comment