بقلم : مي أمجد
لأول وهلة قد تظن ان تلك العائلة يتشاركون معا متعة الغناء وهم يمارسون يومهم المعتاد في مهنة الصيد ؛ تغني روبي فيختلط صوتها مع أصوات الامواج والطيور من حولها ؛ تلك الطيور وحدها تشاركها المتعة غير ان أخيها وأبيها مندمجان في الصيد يبتسمان لسعادتها دون ان يدروا ماتقوله او ينصتو اليه ولكن ذلك وحده يكفي للعمل. فهناك بعيدا على مركب انجيلا روز عائلة الصم المثيرة للازعاج والصخب ؛ بتلقائيتهم يخلقون سعادتهم الخاصة.
انها حياتهم المعتادة وبتلك الطريقة تستكمل روبي حياتها التي لا تنفصل عن العائلة ؛ دون ان تفكر في اختيارا حقيقيا يخص مستقبلها وحدها ؛ حيث انه شئ لم تألفه ولم يكن ممكنا ان تفكر فيه.
قصة فيلم CODA
حصل فيلم CODA على جائزة الاوسكارلعام 2022 لأفضل سيناريو مقتبس وهو نسخة جديدة من الفيلم الفرنسي La Famille Belier الذي صدر عام 2014 وهو يحكي عن عائلة بيلر التي تعاني من الصمم ولديهم أبنة طبيعية موهوبة في الموسيقي حيث يشجعها أستاذ الموسيقي على استكمال دراستها فتوضع بين قرار ترك العائلة ودراسة الموسيقي . لكن الفيلم الفرنسي لم يعمق تلك العلاقة بين الابنة والعائلة ويفتقد الى تلك الالفة في شخصياته وخاصة استاذ الموسيقي الذي يبدو قاسيا وغريبا بشكل كبير كما ان الفيلم لم يقترب من شخصياته بشكل عاطفي مثلما نشعر في كودا.
فروبي مراهقة لم يتشكل بعد طموحها الخاص ومصيرها المستقبلي انها فتاة مسالمة تغني لانها تحب الغناء يبدي استاذ الموسيقي اعجابه بموهبتها من البداية فيضع عينيها على كلية بيركلي للموسيقي التي لا تعرفها روبي ولا تشعر بحماس كبير تجاهها .
ولكن روبي تعلمت منذ طفولتها كيف تنصت روحها للموسيقى والاصوات وتراقبها حيث ان عائلتها وهم الحياديون اتجاه الاصوات في الحياه يمارسون ايضا الازعاج في ابسط الاشياء مما جعلها تميل للنقيض وهي الاصوات المنتظمة والمتناغمة التي تؤثر فيها وتجلب لها مشاعر مختلفة من الحزن والفرح والمتعة
ولكن الحياه تختبر روبي في أكثر المواقف صعوبة وهي ان تقرر بين نجاحها الاساسي في الحياه وبين رغبتها في وضع الاكثر قربا منها في امان دون الحاجة لاحد ودون ان تتخلي او تنفلت من تلك المسؤولية العاطفية والاخلاقية وهي رعايتهم.
وتلك الفتاة التي اختبرت الدفء العائلي والاحتواء والارتباط فمن الصعب ان تلاحق احلامها في حين ان بوصلتها في الحياة مفقودة.
نظرة علي حفل أوسكار 2022
انه شئ يمكن ان نفعله معا كعائلة_ اذا اردتم الشجار فتشاجروا مع أولئك البغيضين اما نحن نبقى معا كعائلة . اعتادت روبي على سماع تلك العبارات وهي بقدر ماتعبر عن الترابط بقدر ماخلقت الوحدة والانفصال عن العالم الخارجي؛ فأم روبي ولدت صماء ولم تتعلم التواصل مع امها لذلك كانت تقابل كل محاولات روبي بالاستهزاء وعدم التصديق مفتقدة الرغبة في دعم الابنة لانها ستنفصل عنهم .
اثناء حفل روبي وغنائها الاول امامهم يتناقش ابواها في شكل أزرار القميص فكيف تقنع روبي اذن والديها بالحلم الابعد عن شعورهم ؛هل ستترك عائلتها ليستهين بهم الجميع من اجل ضالتها المنشودة.
مما يجعل تلك الشخصيات في عائلتها تتصف بالجمود والاعتمادية نتيجة للحماية الزائدة وخاصة انهم يعانون كأي شخص طبيعي بعكس مؤخرا ما كان في فيلم sound of metal والذي تناول فكرة الصمم بشكل درامي مؤثر حيث فقد روبين قدرته على السمع بشكل مفاجئ مما جعل مشاعره تميل للضعف والغضب لصدمة لم يتقبلها.
فيقول ريز احمد عن تلك التجربة ان (ثقافة الصم هوية انها ثقافة غنية ولدينا الكثير لنتعلمه عنها لا بسبب الصم بل بفضله)
فيلم CODA ليس فيلم عن الضعف ولكن كيف يمكننا ان نتجاوزه بخفة وشخصيات بسيطة من خلال قصة تشعرنا الالفة والراحة على الرغم من توقع الحكاية فالاب يعاني من قلة الاموال ولكنه رغم ذلك يعبر عن غضبه امام قوانين الصيد الظالمة كذلك اخوها (دانيال ديورانت) انه يغضب من تلك السلطة التي تمارسها اخته روبي. (لسنا عاجزين انا اخوك الكبير لسنا اغبياء سينتظرون منك فعل كل شئ) ولكنه مع ذلك يبدو منبوذ بملامح قلقة .
حيث يعاني الاصم في طفولته غالبا من الرفض وعدم الثقة بالنفس وقدرة ضعيفة على تكوين صداقات مما يجعله يفتقر الى القدرة على التواصل مع الاخرين ويشوه مفهومه لذاته وخاصة مالم يقدم له ابويه التفقد الدائم لاحتياجاته حيث كانت أمه جاكي تراه دوما مظلوما في قدره .
لكن عندما تبدأ روبي يكبر احساسها بحلمها وشعورها بعجز عائلتها ورغبة اكبر في احتواءهم فتمكنهم من الخروج والاندماج ايضا على الرغم من خوف الاب لبدء تجارته الخاصة وخروج جاكي لتتمكن من التعرف على اخرين غير مجتمع الصم الذي لا تري افراده سوى مرة في الشهر يمزج الفيلم بين طريقهما في مشاهده الاخيرة بطريقة حيوية مع الموسيقى
لذلك عندما تغني روبي في حفلتها الاخيرة تستخدم لغة الاشارة ضمن عرضها انها استطاعت اخيرا ان تشارك والديها المتعة بعدما وضعت نفسها في اول خطوة لتكون روبي التي تحب.
