فيلم C’mon C’mon
لقد تعافي أخيراً النجم “خواكين فينيكس” من آثار تجسيده لشخصية “الجوكر” في فيلم عام 2019، ويعود هذا العام معافاً هادئاً مشبع بالعاطفة والإنسانية، وجاهزٍ كل الجاهزية لإختبارٍ درامي آخر وبصحبة أحد المخرجين العاملين بالأفلام المستقلة “مايك ميلز”.
“ميلز” الذي يعرف عنه منذ بداية عمله بالسينما عام 2005 ميوله للطابع الواقعي في تقديم أفلامه، حيث يراعي تصميم شخصياته بناءاً علي شكلية ملموسة لدي البشر في الحقيقة من ناحية التصرفات والكلام والمعاملات بين بعضهم البعض والمواقف العديدة التي تجمع بينهم، ويسرد تفاصيل الحبكة مستنداً علي وقائع مشابهة في مضمونها لما يحدث أمام الجميع أو يتعرضون له علي الجانب الشخصي، وعلي الحس الدرامي الذي يضفي أحاسيس مختلفة من العاطفة والشجن والفرح والحزن.
مراجعة فيلم ابو صدام – إختيار غير منطقي من مسؤولي مهرجان القاهرة السينمائي
في فيلمه الجديد C’mon C’mon يتناول “مايك ميلز” بتوسعٍ كبير وبدراما منمقة بالمشاعر والإنسانية مراحل البلوغ الحتمية لدي كثير من المراهقين الصغار، والمشاكل التي من الممكن أن تستأثر مشاعرهم بطرقٍ سلبية، والأسئلة والإستفسارات الدائمة التي تدور في أذهانهم ، وأيضاً ماهية رؤياهم للعالم من حولهم وتطلعاتهم للمستقبل وطموحاتهم المختلفة، كل ذلك يأتي بأسلوبٍ سينمائي تجريبي من المؤكد أن سيترك إنطباعاتٍ إيجابية علي الجميع بمجرد إنتشار فيلم C’mon C’mon علي نطاقٍ واسع ويشاهده الكثيرين.
قصة فيلم C’mon C’mon
تدور أحداث فيلم C’mon C’mon عن الصحفي العامل بشبكة الراديو “جوني” الذي يحاور الشباب الصغير عن حيواتهم وعن تفكيرهم للمستقبل فيما بعد، وحينما ترغب شقيقته “فيف” من “جوني” أن يراعي إبنها “جيسي” أثناء فترة غيابها لمراعاة زوجها المريض، تتغير عقلية “جوني” في كل مرة يصطدم بها مع “جيسي” الساعي لمعرفة عديد التفاصيل والإقتراب أكثر فأكثر من خاله “جوني”.
ما يميز سيناريو “مايك ميلز” هو طريقته المثالية في تصوير جوانب تفكير وتصورات تلك المرحلة العمرية الصغيرة، ويتجلي ذلك من خلال تعدد المواجهات الحوارية بينهم وبين “جوني” الذي يمكن القول بأنه سفير المشاهد داخل أحداث فيلم C’mon C’mon، حيث يستمع إليهم بإهتمام وشغف وحب أيضاً إن وجب ذكر ذلك، ويأتي ذلك إيماناً بالمنطق الذي يقول بأن هؤلاء الصغار يستحقون معاملة جيدة تراعي الإلتباس الذي من الممكن أن يحدث لهم عن بعض مفاهيم الحياة التي تحتاج إلي الإرشاد الصحيح من أجل تفهمها.
وهنا يمكن القول بأن فيلم C’mon C’mon يتبع أسلوب “السنتمنتالية” أو ما يسمي بالعاطفية في ترسيخ أفكاره ولكن بطريقة ليست بالمعقدة تستشعر الرقة في أسلوب الطرح لأغلب الأحداث، وتعرف طريق العودة إلي ذلك النهج عقب الإنتقال إلي الجزئية الأخري والأهم في فيلم C’mon C’mon، والمتعلقة بالعلاقة بين “جوني” و”جيسي” الصغير.
علي ذكر تفصيلة العلاقة بين “جوني” و”جيسي”، فقد تحلت كليتاً بكثير من التقلبات تارةً يكون هناك تفاهمٍ حينما يواجه “جوني” بأسئلة “جيسي” الكثيرة عن كل شئ، وتارةً يكون هناك شدٍ وجذب نتيجة عدم رغبة “جيسي” في البعد عن كونه طبيعياً لا ينخرط في فهم كل الأمور التي يرغب بمعرفتها، ولكن في كلتا الحالتين المشاعر حقيقية كأننا نرصدها في تعاملاتنا مع بعضنا البعض، وننخرط فيها بكل تفاصيلها المعقدة والبسيطة، وهذا ما يعزز واقعية فيلم C’mon C’mon وتدفق القصة المريح الذي يؤمن الإستيعاب الكامل لكل ما يطرحه سيناريو “مايك ميلز”.
والذي يسهل من خلاله إستنتاج قضايا أخري يتناولها “ميلز” متعلقة بمشاكل بعض الأسر وصعوبات الأبوة وتربية الأبناء والتواصل معهم والمسؤولية الكبيرة الموضوعة علي عاتق الأبوين في هذه الأمور، وبالطبع يتم ذلك بأسلوب سردي سينمائي بحت وغير مباشر يختتم بعده العمل بطريقة شاعرية ترمز للحب والتعلق بالأخرين كوسيلة نتفادي فيها شرور الانهيار المعنوي.
الفيلم بطبيعة الحال يتميز بتناغم كبير علي المستوي التمثيلي بين النجم الكبير “خواكين فينيكس” و الطفل الصغير “وودي نورمان”، قد يحس المشاهد بأن “نورمان” هو الفعل و”فينيكس” هو رد الفعل، الأول يدفع بالأحداث دفعة كبيرة والأخر يكون التأثير عليها فينتج شيئاً ما ينقل القصة إلي مرحلةٍ تلو الأخري، وتعزز ذلك بالحس الدرامي الرفيع في تجسيد “فينيكس” الذي من المتوقع ترشحه للأوسكار من جديد، والبراءة والجمال التي يتمتع بها “وودي نورمان” ويسهل التعلق بها منذ إطلالته الأولي علي الشاشة.
بالإضافة إلي اللغة التصويرية الجميلة وتعدد طرق للقطات الفيلم القريبة والعلوية التي تجسد المسار اليومي المستمر للبشر في الحياة المدنية، يمكن القول في الختام أن فيلم C”mon C’mon هو العمل الذي نحتاج إليه من أجل معرفة هوياتنا ومظاهر أفعالنا وما نتعرض له في أوقاتٍ كثيرة من مشكلات إجتماعية وتربوية، ولكن علي الجانب الأخر نتعزز من خلاله بأهمية التواصل مع الجميع وبالأخص مع ذوينا، وليكن الود والحب سائداً ومتواصل دائماً إلي أن يرث الأله الأرض ومن عليها.