مراجعات

مراجعة فيلم A Hero – تجلي جديد و رفيع المستوي للسينما الإيرانية الواقعية

فيلم A Hero

في بداية مراجعة فيلم A Hero، يمكن القول أن الكل رصد بالطبع الجدل الكبير الذي أثير عن فيلم “أصحاب ولا أعز” المأخوذ عن عمل إيطالي بنفس الإسم، الذي نتج عنها الكثير من النزاعات الحادة بين شرائح كثيرة من الجمهور، وعلي الرغم من عدم صحة أو جدوي تلك الجدالات وما يقال علي ألسنة البعض من ألفاظ وعبارات شديدة اللهجة، إلا أنه لم يلتفت أحد إلي الفكرة التي تم ذكرها في أول الفقرة تلك وهي أن ما قدم بهذا العمل ليس بالمحتوي الذي يغلف الحياة والواقع بطريقة قد تحظي بأي قابلية لدي المتلقيين.

بطولة منى زكي وإياد نصار.. نتفليكس تعلن عن تفاصيل فيلم «أصحاب ولا أعز»

 

والمؤسف في ذلك أن ما حدث قد غطي علي حدثٍ أهم بكثير يعد تحفةً سينمائية بديعة هي أدق صور الواقعية وأكثرها مصداقية وشفافية وتكاملاً علي كافة المستويات والمعايير السينمائية المعروفة، ألا وهو فيلم A Hero الذي يعد أحدث أعمال المخرج الإيراني الموهوب “أصغر فرهادي” الذي تحكي لغته السينمائية وثقافته الفنية الكبيرة عن موهوبته وروعة أفكاره وطرق تقديمها التي يمكن القول عنها وبكل ثقةٍ متناهية أنها خالية من أية أخطاء وعيوب، وصور مضبوطة ترصد جوانب الحياة بالتفصيل والإستطراد السينمائي المتميز سردياً.

فيلم A Hero

ولمن لا يعرف من هو “أصغر فرهادي” فهو مخرج وكاتب سينمائي يعد من رموز السينما المستقلة في إيران وحائز علي جائزتي أوسكار عام 2011 و2016 عن فيلميه ” A separation” و “The Salesman”، وتتميز سينماه بتسليط الضوء علي الإيرانية والصعوبات التي تواجه بعضٍ من أناسها، ويركز في الوقت ذاته علي النتائج المترتبة علي القرارات التي تتخذها الشخصيات وتأثيراتها المتوالية بإسهاب كبير في الأحداث وبتراصٍ مصاغٍ بعناية يعد شكلاً مثالياً للواقعية السينمائية ونموذجاً لا بد أن يحتذي به في تقديم أية عملٍ من تلك النوعية.

فيلم A Hero

                                            افضل 10 افلام غير ناطقه بالإنجليزية 

في فيلم A Hero، لا يبتعد “أصغر فرهادي” عن إيقاعه الهادئ وتوقيتات تفجر أحداث أعماله في الأوقات المناسبة، ويقدم عملاً مشابهاً لسوابقه الإبداعية في الشكل، ومختلف في المضمون يعكس محاولة لإيجاد الفرصة للحياة وتخطي الماضي وما حدث، ولكن حينما تكون الظروف أقوي من فعل الشئ بطريقة صالحة، يكون القرار صعب يتسبب في كثير من الصعوبات والمشكلات فيما بعد.فيلم A Hero

قصة فيلم A Hero

تدور أحداث فيلم A Hero عن “رحيم” الذي أخذ إجازة من السجن لمدة يومين، ويحاول في الوقت ذاته إقناع الشخص الذي يدين له بالمال بأن يتراجع عن شكواه من أجل أن يخرج من السجم ويعود لعائلته، ولكن لم يسير ما يخطط له “رحيم” علي ما يرام”.

فيلم A Hero

مراجعة فيلم A Hero

يرتكز سيناريو فيلم A Hero علي سلسلة من المواقف الناتجة عن قرار “رحيم” الذي أتخذ الطريق الصعب ظناً منه أن قد يعطيه الفرصة لرسم طريق مختلف لحياته فيما بعد، ولكننا نجد أن الأمور تشير إلي وضعية واعرة ترمي إلي عراقيل توقف سعي “رحيم” إلي ما يبتغيه “رحيم”، والمثير للإعجاب في أفكار “أصغر فرهادي” أنها ليست بالمكررة علي الإطلاق ومرتبة ترتيباً يحرك فيلم A Hero إلي الأمام بتفاصيل أعقد مما يسبقها.

وليس هذا فحسب، بل تمكن “فرهادي” من فرض قدرته المعتادة علي ضمان النزعة الدرامية علي مدار الأحداث بأكملها وبرتمٍ واحد مناسب لطبيعة القصة لا يعلو إلأ في أوقاتٍ معينة، وخصوصاً حينما ينهار كل شئ أمام “رحيم” وتتعقد الأمور عليه، هنا نجد وبلمسة ساحرة من “فرهادي” تمهيد لتحولاتٍ محورية سواءاً للشخصية نفسها أو في السياق العام، بالإضافة أيضاً إلي التأثير الكبير الذي تحدثه تلك اللحظات علي المشاهد الذي يهمه التفاعل مع الشخصيات وتحديد موقفه منها، والتي يحمل قدراً من التعاطف الكبير مع الشخصيات وتفهمٍ لأفعالهم والنوايا منها.فيلم A Hero

بالطبع لا يزال “فرهادي” مبتعداً عن حصر السيناريو لوجهة نظر شخصية “رحيم” فقط، بل يتوسع كليتاً ليشمل كافة الأراء سواءاً سلبية أو إيجابي، فالعمل ببساطة لا يضع إعتباراً لمبدأ الثواب والعقاب كأسلوب ضبط مجتمعي وتوجيهي منه، بل نجد علي النقيض إخلاص كبير من قبل “فرهادي” للناحية الواقعية ويضع كل شئ علي طاولة المشاهد وكما ذكر مسبقاً تضفي التأثير المعين الذي منه نكون نحن المنوط بنا إبداء معتقداتنا من وحي ما شاهدناه.

فيلم A Hero

إخراجياً، يخلص “فرهادي” لطبيعة الحياة الإيرانية من ناحية أماكن التصوير والملابس والديكورات، كما لا يتعمد إحداث أسلوبٍ معين ومختلف في كادراته التصويرية، أغلب اللقطات هي “Medium shots” أو اللقطات المتوسطة التي تسلط الضوء علي الشخصيات ومحيط المكان من حولها بزوايا مناسبة، وتعكس بوضوحٍ جلي واقعية المادة المطروحة وكمالية تفاصيلها والدقة التي كرس من خلالها “فرهادي” مجهوده لكي تظهر بشكلٍ مقارب لتصور الكثيرين.

Asghar Farhadi, Sarina Farhadi, Alexandre Mallet-Guy, Amir Jadidi - Asghar Farhadi and Alexandre Mallet-Guy Photos - Zimbio

ما سوف يقال ليس بمبالغة علي الإطلاق، الممثل الشاب “أمير جديدي” هو صاحب ثاني أفضل أداء تمثيلي هذا العام بعد “ويل سميث”، ما يميز أداء “جديدي” هو البساطة والتلقائية في التعبير عن مشاعره والهدوء والرزانة في سبيل تحقيق أهدافه والخروج من تلك البوطقة التي تقيد حريته، لا يحتاج للإنفعال الذائد أو أية مبالغة تمثيلية إلا في حالة أو إتنين مثلما يتوجه السيناريو لها.

وذلك يوحي ذلك بكونه أداة فعالة في الجوانب الواقعية للعمل ومدلول حقيقي عليه، بالطبع هو لن يترشح للأوسكار ولا يتردد إسمه في أوساط الجوائز علي الإطلاق، ولكن كان الأمر متاحاً لذلك، لإندرج إٍسم “جديدي” ضمن الخماسي المتوقع ترشحه لأوسكار التمثيل هذا العام. فيلم A Hero

في الختام، محتمل أن يكون “أصغر فرهادي” علي موعد مع تحقيق المجد مرة أخري للسينما الإيرانية حينما ينال ترشيحه الثالث للأوسكار عن فيلم A Hero الذي بالفعل يكمل سلسلة الواقعية الإجتماعية التي بدأها منذ عام “2009” وحتي الآن،وكانت ولا تزال المنظور السينمائي الحقيقي ل”إيران” بطريقة تشبه إلي حدٍ كبير بالأفلام الوثائقية.

اسامة سعيد
كاتب وناقد سينمائى بموقع بيهايند وطبيب بشرى، محب للفن بشكل عام والسينما بشكل خاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *