مع صدور الإعلان الرسمي لـ فيلم موسى تزايد الجدل والانقسام بين الجمهور كونه أول فيلم عربي عن روبوت وتمهيد لسلسلة كاملة يجتمع أبطالها في عالم واحد تحت اسم المستضعفون “The Underdogs” على غرار أفلام مارفل و DC التي تقوم على دمج شخصياتها في عالم مشترك.
هذا الانقسام نابع من الطابع الجدلي الذي تحمله أفلام بيتر ميمي مؤخرًا فنجد الجمهور منقسم لفريقين، فالأول – وأنا معه – معجب ومؤيد لخطوات بيتر ميمي الجريئة ومحاولاته الجادة لتقديم تجارب جديدة على السينما المصرية، والآخر رافض وناقد – إلى حد الهجوم – لبيتر بدافع أن نوعية أفلامه تحمل طابعًا غربيًا ولا تليق بالشرق فضلًا عن رؤيتهم أننا لن نستطيع الخروج بها بشكل مقارب للأفلام الأمريكية .. والسؤال الآن، هل فيلم موسى يستحق المشاهدة؟ هل الفيلم بداية موفقة لسلسلة المستضعفون؟ هل بيتر ميمي يستحق الدعم؟
قصة فيلم موسى
يحيى صالح الخياط مهندس شاب عبقري يعيش حياة غير طبيعية بسبب معاناته من إضطرابات نفسية حادة ومؤثرة في شخصيته وبسببها يواجه العديد من المشكلات ولا يستطيع التعامل مع الناس، وفي أحد الأيام يحدث له ما لم يكن في حسبانه فتنقلب حياته ويبدأ التفكير في صناعة روبوت اسمه موسى.
مراجعة فيلم موسى
فكرة الفيلم جديدة على السينما المصرية بالإضافة إلى أن أفلام الخيال العلمي الذي يحتوي على مزيج من المغامرات والأكشن غائبة عن السينما أيضًا لذلك أؤيد وجود هذه النوعية من الأفلام في مصر، ولا أستطيع فهم الاعتراض الشديد من فئة من الجمهور على وجودها رغم أنك إذا نظرت ستجد أن هذه الفئة هي أكثر الفئات مناداة ورغبة بالتطوير والتنوع في السينما المصرية.
لنعد لفيلم موسى .. منذ المشهد الأول للفيلم وهو ناجح في جذب الانتباه وإثارة الذهن، وإيقاع الفيلم السريع وأحداثه الغير متوقعة نجحا في المحافظة على هذا الشعور، بالإضافة إلى أن طريقة السرد التي اعتمدها بيتر ميمي جذابة وسمحت بدخولنا سريعًا في أحداث الفيلم فاعتمد طريقة الحكاية على هيئة حوار بين شخصيتي الفيلم الرئيسيتين “يحيى وفارس” وخلالها نعود إلى الماضي، طريقة ليست سهلة وتحتاج إلى حركة سلسة بين الحاضر والماضي للحفاظ على اهتمام المشاهد، ورغم ارتباكها في المشاهد الأولى إلّا أن الأمور أخذت تتحسن مع مرور الأحداث وأضفت مزيدًا من الإثارة.
يؤخذ على سيناريو الفيلم افتقاده للتفاصيل فيما يتعلق بتصميم الشخصيات والروبوت نفسه فافتقدت الشخصيات إلى التفصيل، والتمهيد لها لم يكن بالشكل الأمثل بل أن هناك شخصيات ليس لها خلفية واقتصر التعريف بها على جمل عابرة .. شخصية يحيى الخياط مثيرة ولكن كنت أحتاج أن أراها أكثر مما كان في الفيلم، أردت أن أرى يحيى في مراحل عمرية مختلفة التعرف على ما تعرض له الذي كانت نتيجته رؤية هذا شاب مضطرب الخُطى يعاني من كل شيء حوله.
كذلك الأمر بالنسبة للروبوت موسى كان يحتاج إلى بعض التفصيل والتعمق بعرض مشاهد أكثر له مع يحيى وريكا فالهدف منها توطيد علاقة المشاهد بموسى والتفاعل معه في مشاهده وكأنه صديقنا وليس صديق يحيى فقط.
وبالاتيان إلى الحوار نجد أنه لم يكن على المستوى المطلوب وإن كان هناك تحسن عن سابق أفلام بيتر وتطور ملموس في بعض المشاهد على مستوى الحوار ولكنه تطور طفيف، وهنا تكمن مشكلة جادة أمام بيتر ميمي إذا أراد الاستمرار في كتابة سيناريو أفلامه القادمة فهو يحتاج إلى التطوير من نفسه في الكتابة أو الاستعانة بمؤلف يتولى كتابة السيناريو مثلما حدث سابقًا في أعمال مثل كلبش والاختيار بأجزائهما.
أما عن الإخراج فـ بيتر ميمي مخرج جدير بالدعم كونه دائم التجديد والحرص على التطوير من نفسه وعلى توفير تجربة بصرية ممتعة للجمهور، وفي فيلم موسى يمكننا لمس ذلك التطور في مشاهد الانفجارات والمطاردات التي تم تقديمها بشكل مبهر، بالإضافة إلى الكادرات المساهمة في بلورة شخصية يحيى الخياط كونه ضعيف جدًا ويعاني بسبب خوفه ممّن حوله من خلال التركيز على حركة اليد ونظرات العين وتعابير الوجه.
وبالحديث عن شخصية يحيى الخياط يجب أن أشيد بـ كريم محمود عبدالعزيز والتطور المرعب في أدائه مقارنة بما قدمه سابقًا فهو يؤدي شخصية صعبة تتطلب تركيز وتعايش مع الشخصية، وكريم تقمص الشخصية وتمكن من تفاصيلها وكأنه يحيى الخياط في المشية والحركات، نبرة الصوت الهادئة التي يختبئ ورائها شخص مهزوز، طريقته في الكلام حتى نظراته الدائمة التي تشعرك بمدى جدية الموقف وصعوبته بالنسبة له .. كل هذه اختبارات نجح كريم في اجتيازها باقتدار وتثبت أننا أمام ممثل ناضج يستحق التواجد وسط الكبار بتقديمه أداءًا لا يقل عن أدائهم ولن أبالغ إذا قُلت أنه الأكثر إقناعًا بين نجوم موسم الصيف هذا العام.
إياد نصار ممثل من العيار الثقيل وقادر على إعطاء ثقل للعمل الذي يشارك فيه .. وجوده في فيلم موسى هام لأنه فيلم حركي معتمد على الروبوت في المقام الأول ويحتاج إلى ممثل يعطي الفيلم التوازن المطلوب ويقوم بسدّ أي فجوة يمكن ملاحظتها .. أسماء أبو اليزيد مميزة وسعيد برؤيتها في فيلم موسى بدور مساحته كبيرة يتيح لها إظهار موهبتها، كذلك الأمر بالنسبة لسارة الشامي قدمت أداءًا جيدًا رغم صغر مساحة الدور نسبيًا .. صلاح عبدالله بمشاهد قليلة جميل وخفيف على القلب في دور الأب ومشاهده مع كريم محمود عبدالعزيز من أجمل مشاهد الفيلم.
فيما يتعلق بجانب الخيال العلمي فأريد التنويه أن تنفيذ المشاهد بأيدي مصرية وخروجها بمستوى تقني مقبول يعبر عن مجهود عظيم من فريق العمل، ففي المجمل نجحوا في تخطي الكثير من الصعوبات والتحديات على مستوى التصميم والتنفيذ، وهذا يأخذنا إلى وجوب توجيه التحية لهم ودعمهم للتطوير من مستواهم والدخول في مزيد من التحديات لعمل نقلة فعلية في السينما المصرية.
لا يمكنني أن أنسى موسيقى المبدع خالد الكمار – أحد أبطال الفيلم بكل تأكيد – التي تم توظفيها بشكل موفق ومتماشي مع أحداث الفيلم، وأضافت مزيدًا من الإثارة في مشاهد الحركة أثرت بنا في اللحظات الدرامية، بالإضافة إلى أغنية نسمة محجوب التي تم تقديمها بالتزامن مع عرض مشاهد صناعة الروبوت موسى.
في المجمل فيلم موسى جيد جدًا ويستحق المشاهدة، تجربة جديدة طال انتظارها وكانت جديرة بالانتظار .. أتمنى تقديم الأجزاء القادمة بشكل أفضل وتكون سلسلة المستضعفين بداية جديدة للسينما المصرية في تصنيف الخيال العلمي .. تقييمي للفيلم 7.5/10.