ليه يا بنفسج …
– فيلم دراما ثائرة كاشفة إلى حد التجرد.. عمل يخوض ببراعة فى دهاليز الحياة بلا تجميل او تزييف لحقائق تكاد تُخفى عن الحاضرين.. بجولة خاطفة فى أحد الحارات فى طالع العمل اخذتنى الشخصيات بتصنيفها وألوانها للتشابه بينها وبين حارة الكت كات حيث التجمع المختلف لأطياف متعددة وشخصيات تحمل فى طياتها طابع متميز ولكن يجمعهم بؤس واحد وعتمة يتشاركوها ليلا فى مجالسهم المتربص بها الخمر والسُكر.. فحتما إضافة عنصر التغيب العقلى أمر متعارف عليه وحتمى التواجد وسط هذه المجموعات من المهمشين.. وكأنه نوع من الهروب المؤقت من معاناة الذل والفقر والبؤس المنتشر..
كعادة التراث المصرى العتيق دوما مانجد سيدة ما مقيمة بالحى او الشارع ولكنها تكون بمثابة الأم الحنون للجميع.. وتتساقط البركات والنعم من بيتها دوما رُغم ضيق الحال وقلة الدخل.. ولكن لن يتفهم أى مشاهد من تراث مختلف نظرية البركة والحُب الذى يحل بهذة البيوت وهذه النوعية من البشر..
الست فردوس.. امرأه خلقت من الشقاء وإليه.. تأوى فى منزلها ذو الحجرة الواحدة والسرير الواحد ثلاث رجال.. تطعمهم وتكسيهم بل وتغدق عليهم أحيانا بمصروف يومى.. لم تطالبهم يوما بشئ او مقابل.. واذا تسائلت من اين لها هذا تأتيك اجابات البركة التى تحوم ببيتها دون اسباب سوى أنها مٌحبة للغير فيرزقها الرازق..
- بموت فردوس تتغير وجهة الأحداث تماما..تبدأ شخصية كل فرد بالظهور على حدا..
أطل علينا المخرج الرائع رضوان الكاشف.. بشخصيات تأمل فى الغد وتتمنى وجود الأفضل جميعهم يعيشون تحت ظلال الأمل فى حياة أفضل الجميع يحاول ويحلم بقدوم الربيع..
قسم رضوان كل فرد بأحلامه وطموحاته ورغباته بغرف منفصله.. فكل غرفة جعلنا نشهد حكاية مختلفة وآمال بسيطه تنتمى لطبقات منعدمة طبقات تحلم فقط بإيجاد المسكن والطعام الجيد..
فصلهم جميعا كلا على حدا وجمعهم تارة أخرى فى غرفة واحدة متلاحمين متلاصقين لايهم النوع والشكل الجميع بمكان واحد متشابهين يليق بهم الصحبة والجمع وكأن التزاحم والتكدس وانقباض الأنفاس سيظل ملاحقا لهم دوما حتى فى لحظات الفرح والسرور الخاطفة.. تنقطع عنهم الكهرباء
مشهد انفعالى رائع ورد الفعل الناتج عن ذلك هو العقوبه وانقضاء ليله بالحبس.. ضريبة الفرح والسعادة لهؤلاء دوما ليست حميدة
تعرض رضوان الكاشف وبوضوح شديد لمشكلة بدأت تبزغ مع بوادر القرن العشرين لم تكن موجودة من ذى قبل
واعتقد أن الفيلم كان يوجه رسالة قوية وعنيفة تجاه هذا الأمر.. وهى مشكلة الحرمان النفسى والعاطفى لفئات كثيرة.. بالنظر لسنة العرض كانت عام ١٩٩٣ فلم تكن حينها الأمور ساءت مثلما الحال الآن فكانت من الكاشف خطوة ونظرة مستبعدة ومستقبليه..
جميعهم يقعون تحت طائلة الحرمان الجسدى والحاجة للشريك الآخر وكيفية التعاطى مع هذة الأمور التى تعد مهمة جدا لقيام المجتمع
– فظهر ذلك مع” نجاح الموجى” الشاب المتهور لا يتعامل مع الحياة بأى نوع من القيم الأخلاقيه وإن بدا الأمر ف شكل كوميدى ولكن هو أشد هذه الفئات خطورة لأنة دوما مغيب العقل والتحكم..
“أشرف عبدالباقى” فئة صامته شاحنة للشعور تتحول لديه تلك الرغبات الى شخص حاقد كاره للجميع ناقم على المجتمع والأفراد وناقم على نفسه
“فاروق الفيشاوى” كان افضلهم فى ضبط النفس والتحكم بمشاعره والتعامل بقدر من الإنسانية ولكنه الفئة الاكثر شفقة والشعور بالألم لحالها التمنى والخوف من التعلق.. كان شغوفا ولكنه يائس فاقد للأمل والحيلة يحب ويأمل ولكنه كاره لأى طريقة او سبيل يحجم افكاره حتى ولو كانت علاقة رومانسيه تجمعه بفتاة.. التملص المسئولية والتخلص من الضوابط ظهر فى علاقته ب سعاد” بثينه رشوان”
فالجميع هنا.. يعيش فى مطرقة وذل واهمال من المجتمع وتهميش قاسى حول كل منهم إلى أشخاص لم يكن عليهم أن يصيروا هكذا
الشخصية الأكثر أهمية بنظرى وهى” أحمد”
كان يعانى اكثرهم لأنه يدرك المنطق فدوما صاحب المنطق يعانى
أحمد يحاول العبور من تلك الحارة الخانقة التعيسه إلى حياة اوفر حظا بأى شكل وتحت أى مسمى
نظرا للعيشة الصعبة والحياة الضيقة فحدت من طموحه وافكاره .. ظل حلم الخروج يراوده دوما
أحمد نموذج للغير موفقين الغير محظوظين دائما
تمثلت له الحياة برغدها فى فتاة تحبه ولكنه يشتاق اكثر لحلم اكبر تمد له الحياة بعض الخطط أن يعمل ليلا بالفرقة الخاصه بالأفراح ونهارا بعربة عمته المتوفاه وأن يتزوج الفتاة الشغوفة به
ولكنه رافضا لتلك الخطط المقدمة وتلك الفرص..
استنكر أحمد وجود عيد المحب له بإخلاص واصدقائه المخلصين والحب المقدم من جارته سعاد
وطمع بالمزيد.. ولكنه دوما غير موفق النتائج وغير مستبصر لما فى يده.. لم يحسن من البدايه تقدير ماهو ولد لأجله ولم يسعى بالشكل الكافى للخلاص منه فوحده التمنى لا يحقق الأمانى. فأضاع كل شئ
– فى أحد المشاهد العبقرية لرضوان الكاشف
ظهور أشرف عبد الباقى بالكادر محطما مرهق فاقد الهوية والشعور والطمأنينه يتجول بالحارة إلى أن وصل إلى قهوة حيث الراديو يبث اخبار الإنتخابات البرلمانية المصرية القادمة وأسماء المرشحين
وكأنهم يبثون لهؤلاء أخبار من عالم مختلف وكوكب منعزل لايفهم الحاضربن مايقال بالراديو الجميع مشغول بحزنه وشقائه لم ينصت أحدا لأى حرف تمام البلاغة والروعة فى ذلك المشهد حيث اظهارهم وكأنهم فى طرف أخر من الحياة لا يعلم عنهم أحد شئ..
– أظهر ايضا الكاشف وببراعة أخرى الدين وحضوره فى المجتمع
بظهور الشيخ الزنقورى فهو مقرئ للقرأن الكريم وله صلة قرابة وطيدة بقارئ فى محطة الراديو
“الشيخ الزنقورى” ظهر متدينا متشددا رافضا لقراءة القرآن وبثه من خلال القهوة متعللا بعدم اذاعته من هذا المكان الملوث
ولكن الوجه القبيح للمظاهر والتظاهر والإدعاء بالعقيدة عندما طالبهم وبقوة أجرة ماقرأه من آيات قرآنيه ..
فقدان الإيمان بمُدعى الإيمان وهو يعلم جيدا ضيق حال ابناء حارته ومنطقته وانهم لايملكون مايقيهم من البرد..
على النقيض الآخر ذلك الرجل صاحب العربة التى يجرها حمار هزيل يسحبه طوال اليوم للعمل وأكل العيش بمال حلال
يخرج كل مافى جيبه لعزاء الفقيدة ولمشاركة من هم مثله الحزن والألم
اظهر الكاشف أن الروابط الاجتماعيه والصداقات بين هؤلاء هى السبيل الوحيد لأبقائهم على قيد الحياة هى طريقهم الوحيد للنجاة كما حال الست فردوس فكانت بركتها تطل على الجميع وعلى كل المنازل برغم موتها ولكن ظلت عربتها تشبع بطون الغير وحوش منزلها الغنى بالطيور لازال مرتع للتعساء وهذا هو حالهم بالفعل
– الفيلم وكأنة صورة عن عالم يعيش تحت الأنقاض لا نعلم عنه شيئا لا ندرك من هم ومن هؤلاء
اختتم رضوان التحفة الفنيه بمشهد ساخر للثلاث اصدقاء بعدما تم تفرقتهم فأعادو جمعهم مرة أخرى لأنهم بدون بعضهم البعض هم سلالات ضائعة وتائهة
يرتدون ملابس الفرقة ومعهم ادواتهم الموسيقيه يعزفون فى الصحراء لا مشاهد ولا مستمع ويظهر أحمد باكيا اثناء العزف فهذا هو حالهم البائس وتلك نهاياتهم المحتومة لا مفر من تلك التعاسة الأبدية