فى بداية مراجعة فيلم كازابلانكا اود ان اوضح انه لم يكن في إستطاعة الكثيرينَ من عشاق السينما إنكار سَخَطِهم الشديد علي تِلكَ الفُرص المُتعددة التي ينالها “بيتر ميمي” بعد ما خاضَ العديدِ من التجارب بداية من عام 2012 بفيلم “سبوبة” ووصولاً إلي “القرد بيتكلم” عام 2017 وجميعُها بلا إستثناءٍ نالت نصيبها من السخط الجماهيري والنقدي حتي تيقن الجميعَ بأن تلك المخاطرة التي قام بِها “بيتر” بتركِه لمِهنةَ الطبِ وإتجاهه إلي عالمِ الفن تُعد قراراً قد بلغَ من الحماقةِ أعلي المراتب بعد كل ما تلقاه من هُجومٍ لاذع من قبل الكثيرين لدرجةِ أنه تم وصفه من خلاله ب“مخرج المراهقين الفاشل”.
فأغلبِ أعماله السابقة كانت من تأليفه وإخراجه في آنٍ واحد ،وهنا تكمن المعضلة الأساسية و المتمثلة في قلة خبرة “بيتر” الإخراجية وعدم إلمامه بمكونات السيناريو الأساسية وكيفية صياغة الحبكة بأسلوبٍ مُناسب، فكان نتاج كل ما صنعه “بيتر” خلال 7 سنواتٍ كاملة أدت به للوقوع ضحية الفشل وكثرة التساؤلات التي لا حصرَ لها عن مبررات إعطاءه كل هذه الفرص وهو الذي لم يقدم ما يشفع له إستحقاقها علي الإطلاق.
لكن “بيتر ميمي” أدرك أنه “لا يأس مع الحياة” وأنه يجب السعيِ وراء الحُلم مهما كانَ الثمنُ، ليتحققَ له ما أراد ولكن هذه المرة من بوابة الدراما التلفزيونية من خلال مسلسلي “الأب الروحي” و “كلبش” الملقب ب”تمثيلية الشارع”، والتي تحسس الكثيرونَ من خِلالهما بوجودِ بصيصٍ من الأمل في التحسن مع مرور الوقت والإستفادة من الأخطاء السابقة.
حينها يُقرر “بيتر ميمي” العودة من جديدٍ إلي بوابة السينما وذَلِكَ مِن خلالِ فيلم “حرب كرموز” والذي يجمعه بشريك نجاحاته التلفزيونية “أمير كرارة” والذي ظهرَ مع مرور الوقت- خلال عملهما معاً ب”كلبش” -وجودِ حالةٍ ملحوظة من التناغمِ والتَفاهُمِ فيما بينهما حتي صار “بيتر ميمي” تميمة حظ “كرارة” وهو الذي نجح بجدارةٍ في الصعودِ إلي عالم النجومية وباتَ من أهم نجوم الصف الأول في مِصر.
تجرُبة قد لاقت استحسان شريحةٍ لا بأسَ بها من الجمهور حينما لوحظ بالفعل إصرارِ “بيتر” علي العملِ الجادِ في خلق المُتعة المُناسبة، وذَلِكَ من خلالِ الإجتهادِ والعمل الدؤوبِ علي رفعِ مُستوي مشاهد الإشتباكات والمعارك الحامية بجانب السعي في تقديمِ تصورٍ مغايرٍ لإحدي حقبات التاريخ المصري أملاً في إنعاش الصورة التي تُقدمُ بها تلك الأزمنة القَديمة، والتي للمفارقةِ كانت مقبولةٍ إلي حد ما بإستثناء عددٍ محدودٍ من التفاصيل التي شابتها الا منطقية، إلا أن التطورَ النسبي الذي نتج عن هذا العملِ يشفع ولو بالقليلِ ل“بيتر” تلك الأخطاء الصغيرة التي لاحظها من يفقه أو لا يفقه في النقد والتمعن في محتوي الأعمال السينمائية.
وهُنا تحمسَ البعَضُ لما سيسفِرُ عنه التعاون الخامس بين “بيتر” و”كرارة” في عملٍ جديد يحمل إسم “كازابلانكا” ولكن هذه المرة ستكون التجربة من تأليف “هشام هلال” وليست من وحي خيال “بيتر ميمي” كما جرت العادة ، لتنطلق عروض الفيلم في موسم عيد الفطر ويحينُ عقِبها وَقتُ الأسئلة:
“هل بيتر ميمي سيُكمِلُ في رحلة التحسُنِ التي بدأها منذ عمله بالدراما؟”
“هل كان يحمِلُ الفيلم المٌتعة الازِمة التي يحتاجُها المُشاهدِ وقت العيد بصرف النظر عن سطحية الفكرة؟”
وهنا ننطلق سوياً لكي نتعمقَ أكثرَ فأكثر في التفاصيلِ لكي نُجِب بوضوحٍ وشفافية عن هذه الأسئلة:
قصة الفيلم تدورُ ببساطةٍ عن أربعة أشخاصٍ يُلقبوا أنفُسَهم ب”هجامي البحر” ويعملونَ بسرقة السفن والسطو عليها، وفي إحدي المراتِ يكلفوا بمهمة ما من قبل إحدي العصابات للإستيلاء علي شحنة من الألماس، لكن تحدثُ المفاجاة حينما ينقلب أحد أفراد “الهجامين” علي رفاقه ويهرب بالشحنة إلي المغرب، لكي يبدأ بقية أفراد المجموعة رحلة الإنتقام من من غدرَ بهم وإستعادة الشحنة و أيضاً حقوقِهم المسلوبة.
تأملوا معي هذه السطور ،سنجد ان القصة في مُنتهي السلاسة بجانب كونٍها مباشرة ولا يوجد ما يمكنه أن يجعل عناصرها تعج بشطحاتٍ من المبالغة التي مِنَ المُمكِن أن تميلَ إلي الإفراطُ أحيانا ،وهذا ما حدث بالفعل حيث جائت القصة بالشكل المرغوب فيه تماماً باسثتناء النهاية التي عقبها حالةُ من الذهولِ والإشئمزازِ قبيل الخروجِ من صالة العرض وفي وقتٍ كانت التجربة تسير علي ما يرام بالنظر إلي الأفكار التي بُنيت عليها، فلم يكن هناكَ داعي لذلك القرار الأحمق في إدخال الا منطقية بعدما مرت الأحداث بسلاسةٍ مقبولة تكلل لها النجاح في التواصل مع المتفرج بسهولةٍ ويسر بجانب غض البصر عن عيبين أم ثلاثٍ لم يؤثروا سلباً علي تجربة المشاهدة.
الحوارُ كانَ من إحدي عناصر الفيلم الجيدة فاللغة المستخدمة مفرداتها فريدة من نوعهاو مصدرها من وحي ما يتردد في الشارع أو بين الشباب “المخلص” كما يمكِنُ أن يتم تلقيبها كذلك ب”اللُغة الدارجة “وقد لاحظَ الجميعُ ذلك في الإعلان الرسمي للفيلم في جمل مثل “أخوكي سندال-العركة لو ابتدت حتزعل-إلي ليه الحق مايخدوش بالحديد”.ولكن تميزها يكمن في صالح الصِبغةَ الكوميدية التي شَغلت حيذاً ليس بالكبيرِ في الأحداث ولكنه كان موفقاً للغايةِ والفضلُ في ذلك يعود للمتميز دوما وصاحب الحضور الطاغي وقتما قرر الظهور “عمرو عبدالجليل” الذي إرتجل جمله “الشبحنية” ببراعةٍ فائقة ساهمت في إنتزاع ضحكات الجمهور بداخل صالة السينما لخفة ظله و روحه المرحة فكان ذلك سبباً رئيسياً في الإعجاب بالشق الكوميدي من اللغة الحوارية للفيلم.إخراجياً، نجح “بيتر ميمي” في الإهتمامِ بالتفاصيل الخاصة بأفكار مشاهِد الأكشن حتي وإن كانت تتسم بالتقليدية، ولكن ذلك لا يجبُ أن يصيبَ عُشاق تلك الفئة المعينة من الأفلامِ بأية نوعٍ من الإحباط، فما زالَ هُنالِكَ الكثيرُ والكثيرُ من الوقتِ الذي يحتاجه صُناعُ أفلام “الأكشن” لكي يستغلوا المساحة المقدمة إليهم للإبداع ويتمكنوا من تقديمِ تجرُبةٍ جديدةٍ ومُختلفةٍ في صناعة أفلام الحركة تندرج ضمن منظومة صناعة السينما الحالية التي تحتاجُ إلي سرعة البدءٍ في عملياتٍ الإحلاِل والتجديد.
لكن هُناك أمراً هاماً ربما كان يجب علي “بيتر ميمي” إدراكه أكثرَ من اللازم وهي كثرة تقطيعات مشاهد الاكشن وعدم ضبط إيقاعها فتارة تبدو سريعة وتارة تتسم بالبطئ، فكان يجب توخي الدقة ومراعاة التوازن في الإيقاع فذلك من عناصر نجاح أية عملٍ سينمائي والخطأ فيها مع الأسف يبدو واضحاً للجميع حتي وإن كانت معلوماتهم الإخراجية مضمحلة للغاية، فالتمسكِ بمراعاة أفكار الاكشن المعتادة يعدُ أمراً مقبولاً ولكن اللعب بأساليب المونتاجِ قد يفتح باباً أخراً للإنتقاد خصوصا من رواد مواقع التواصل الإجتماعي التي باتَ همِها التدقيقِ في كُلِ كبيرةٍ وصغيرةٍ تخص السينما المصرية.
علي مستوي الأداء التمثيلي، فالأفضلُ-كما ذكرنا سلفاً- كان “عمرو عبدالجليل” الذي لم ينل تلك المكانة الكبيرة في قلوب من الناس من فراغ، بل هي نابعة من موهبته الفذة وقدرته علي تقمص الشخصية بالطريقة المناسبة و التي بإمكانها سحب البساط من تحت أقدامبقيةأبطال العمل الذي يظهرُ من خِلاله، ولنا في مسلسل “طايع” خير دليلٍ ومِثال.
“أمير كرارة” كان جيدأً وإن يبدو أنه لا يزال متأثراً بشخصيته في مسلسل “كلبش” لدرجة أنه بات التساؤل مطروحاً” وفي حاجة إلي إجابة في المستقبل البعيد: “هل سيظل حبيساً لتلك الهيئة المتكررة وإلإرتجالية الصارمة التي يتبعها في أعماله منذ تقدله زي “سليم الأنصاري” في “كلبش”؟لكن “كرارة” رغم ذلك كان لائقاً علي دوره عكس “إياد نصار” الذي تعثرَ هذه المرة في إختيار الدور المناسب له، فهو ببساطة “جنتلمان” أو بمعني أخر ممثلٍ أنيق يمتلكُ موهبة لم يتم إهدارُها مطلقاً في أدوارٍ غير مناسِبة وتاريخه يشهد علي ذلك، لكن هنا يتعثرَ “إياد نصار” في أول أداءٍ سلبيٍ له منذ بداية مسيرته وهو الذي لم ولن تليق عليه بتاتاً تلك اللغة العامية المستخدمة بالفيلم مهما بلغَ حجمِ الشخصية التي للمفارقة تلعَبُ دوراً هاماً، ولكن مهما بلغت أهيمتها-كان يتوجب علي “بيتر ميمي” التمسك بإحضار “باسل خياط” أو أي ممثلٍ أخر ليقوم بهذا الدور خصيصاً.علي النقيض نجد أن الثنائي “غادة عادل” و“أحمد داش” قد وفقا تماماً في أدوارهما رغم صغر مساحتهما بالفيلم إلإ انهما قد أدي ما عليهما بنجاح، يتزامن ذلك مع الظهور المقبول نسبيا لنجم الدراما التركية “خالد إرجنيتش” في شخصية “دراجون”-زعيم العصابات من أصل بوسني.لذا بات من الممكن القولُ بأن الفيلم تجربة ناجحة ل”بيتر ميمي” وخطوة هامة في طريق التحسنِ شريطة أن يعي بأنه لا يجب إفساد الشئُ في نهايته بعدما وصلت التجرُبة ُإلي مستويٍ مقبولٍ قد يجد إستحسان المتابعين برُمتِهم وتلوحُ علي وجوههم علاماتُ الرضا عن الفيلم في الوقتِ الذي يحتاجُ فيه المرءُ للترفيه عن نفسِه من خلال التوجه لصالة العروضِ السينمائية لمتابعة فيلماً يحمل المتعة في المقام الأول قم تعقُبُها بقيةُ التفاصيلِ تباعاً.