ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، أثار فيلم ريش ضجةً كبيرة تعالت من خلالها عديد الأصوات المنددة بتشويه العمل لسمعة البلاد وأن هناك مبالغة فيما يخص المحتوي المقدم به الذي يصور أوضاع الطبقة الفقيرة التي تعاني من قلة الموارد وغياب الحياة الإنسانية والإهتمام المجتمعي بهم، ولكن بالنظر لما تمر به الصناعة في الوقت الحالي سواءاً سينمائياً او تلفزيونياً يفهم تماماً مسببات تلك الاراء التي لا تنم عن أي شئ يقيم الفيلم بطريقة فنية سليمة.
عزت صبري يكتب .. “يوم الدين” حين تشعر أن العالم اوشك على الإنهيار
مراجعة فيلم ريش
أراء بالغة الغرابة هي التشويه الفعلي للمجتمع السينمائي بكل ما تحويه الكلمة من معني، وقد تمثل إحباطاً حقيقياً لكل صانع سينما يحاول خوض تجارب جديدة تصور الفئات المجتمعية الأخرى التي لا يتم تلمعيها وتسليط الضوء عليها مثل مهرجان الجونة .
بعيداً عن ذلك وفي إطار نقدي فني بحت، فيلم ريش تجربة يستحق عليها “عمر الزهيري” الإشادة في الجانب الإخراجي وكذلك المخاطرة في تقديم عملٍ يشابه ما تقدمه المدارس السينمائية العالمية في تناولها للطبقة الفقيرة ومعاناتهم المستمرة في الحياة بطريقةٍ آدمية، ولكن علي مستوي القصة والسرد تكمن المشكلات التي تجعل من الصعب ملامسة الفيلم لقلوب بعض المشاهدين، وكانت تحتاج لمزيد من التدبر من أجل بروزها بشكلٍ مناسب عن ما بدت عليه في هذه النسخة.
قصة فيلم ريش
تدور أحداث فيلم ريش عن عائلة فقيرة مكونة من 5 افراد يحاول الأب إدخال السعادة علي قلب إبنه في عيد ميلاده، ولكن أثناء فقرة الساحر، يختفي الأب ضمن أحد ألاعيب الساحر ويتحول إلي دجاجة، مما يصعب ذلك الأمور علي الأم المسكينة التي باتت تحاول إيجاد أية وسيلة من أجل عودة الأب العائل لهم إلي طبيعته،وكذلك المضي قدماً في تعويض غياب الأب وتوفير حياة من أجل أبنائها الثلاثة.
المخرج “عمر الزهيري” هيأ البيئة المحيطة بمركز أحداث فيلم ريش كما لو أنها في نطاق زمني خيالي بعيد كل البعد عن التصور الحقيقي الذي قد يدور في أذهان المشاهدين، ولكنه لم يدرك أن بتخطي الفيلم حاجز المقدمة بدأت القصة في وصول لحد مشابهته بالواقع، وهنا تلوح مشكلات فيلم “ريش” التي أثارت الضجة بالرغم من معرفة الجميع اعتبارات هؤلاء ودون الخوض في التفاصيل منعاً للبعد عن موضوع المقال.
فهناك إحساس بأن فيلم ريش يدور في دائرة مغلقة، الأحداث متشابهة مع بعضها البعض في الاغلب، لا تحتاج الي ما هوا أكثر من ساعة لطرحها بكل هذا الاسهاب، يأتي ذلك إلي جانب الفتور الكبير في الطبيعة العامة الفيلم من عدم مقدرة الممثلين علي تهيئة أدائتهم التمثيلية لمواكبة مناخ الفيلم القاتم.
وكذلك أيضاً حصر الفكرة في جانب واحد دون تقديم تحولات تصنعها الشخصيات بشكل فعال وحيوي لايجاد الحلول، يجب القول أن الفيلم لا يقدم هذه الحلول بطريقة مباشرة، بل هي تكون وليدة ردود أفعال الشخصيات تحاول جاهدة في فعل اي شئ من أجل تحقيقها.
لا أن يكون الفيلم مسرح لعرض المزيد من مظاهر الفقر والجوع والهيكل المعيشي المتهالك، بالطبع يود “عمر الزهيري” ان يعيش المتلقي أحوال تلك الطبقة ويبصرهم بكافة أنواع المعاناة اليومية التي لا حلول لها وآثارها النفسية والمعنوية علي من ابتلوا بها، ولكن ليس لتلك الدرجة التي لا تترك سوي انطباعاتٍ سلبية تصعب من تحمل الفيلم لاخره.
كان من الأفضل اللجوء لاسلوب الفيلم القصير وإزالة عديد التفاصيل الزائدة فيصير مستساغاً أكثر بكثير من شكله الروائي الطويل، هناك أيضاً نقطة أخيرة علي مستوي السيناريو تتمثل في مشهد الافتتاح الذي ليس مفهوماً الغاية من البداية به، لأن ذلك تأجل كثيراً إلي قرب نهاية الفيلم، ولكنه بالرغم أيضاً لا يتناسب مع البعد الاخر المتمثل في نقطة تحول الفيلم في عيد ميلاد الابن، وقد ترك “عمر الزهيري” ذلك لخيال المشاهد يدركه بالطريقة التي تحلو له، ولكن كان من الصعب فهم المعني الحقيقي لما وراء هذا القرار
علي النقيض، يحسب ل”عمر الزهيري” الاهتمام بالتفاصيل إخراجياً من ناحية الديكور واختيار الكادرات الضيقة داخل محيط منزل العائلة ونظيرتها الواسعة “Wide shots” خارجه، وكذلك في اختيار الأغنيات الشهيرة ل”فايزة احمد” وفريق “المصريين” وموسيقي “عمر خورشيد” و”بليغ حمدي”، بالإضافة أيضاً إلي اللمسات الواضحة علي هيئات الشخصيات من ناحية تصميم الملابس والعناصر المنوط بها ان تضيف بفعالية تامة الي الجانب الرمزي الذي يعتبر من أساسات فكرة الفيلم العامة.
التعاطف مع السيدة “دميانة نصار” بدوافع انسانية لهو شئ جميل لا مشكلة فيه، ولكن يجب أن يعي الجميع ان تدني المستوي التمثيلي لها لهو أثرٍ كبير علي تباعد التواصل بين المشاهد والعمل بدرجاتٍ كبيرة، ذلك مقصود بكل تأكيد وبناءاً علي طلب “الزهيري” نفسه، وبذلك هو من يتحمل أساس تلك المشكلة، وذلك النمط الواحد في التجسيد والتعبير والارتجال الانفعالي الذي لم يتغير مطلقاً طوال أحداث الفيلم، خلاصة القول أن “دميانة نصار” لا تستحق أي كلمة نقدٍ أو هجومٍ عليها بعكس “الزهيري” سيد العمل ومحركه الأول والأخير.
في الختام، فيلم ريش ليس إلا لمشاهدةٍ واحدة ولا يستحق كل هذه الضجة الكبيرة التي حدثت عليه، هو خطوة جيدة تحسب ل”عمر الزهيري” الذي لو استحق الفوز بجائزة مهرجان “كان” فهي علي الرؤية الإخراجية المهتمة بالتفاصيل وملامسته للجانب المظلم في الحياة وأدرك عنوانيها بالكم الذي يساعده في تقديم الفيلم، ليس علي آلية الصياغة السردية التي تجعل من الصعب تذكر الفيلم علي أنه من العملات المضيئة في السينما المصرية الحديثة.
1 Comment