في عام 1986 كتب شخص يدعي أندريه سابكوفسكي قصة قصيرة بعنوان The Witcher من أجل المشاركة في مسابقة الخيال العلمي والفانتازيا لإحدي المجلات البولندية ..
وحصلت القصة علي المركز الثالث مع إشادات كبيرة من النقاد والجماهير .. واستمر أندريه في كتابة وتوسيع عالم The Witcher أكثر وأكثر حتي وصل إلي ثلاث مجموعات من القصص القصيرة وخمس روايات طويلة ليصبح واحد من أشهر مؤلفي الخيال في بولندا ..
مجهودات أندريه كُوفئت عندما قررت شركة CD Projekt Red تحويل الروايات إلي سلسلة ألعاب فيديو حققت شهرة واسعة جذبت أنظار نتفليكس إليها لتكون بوابتها نحو عالم الفانتازيا .. فهل تستطيع نتفليكس تقديم تحفة فانتازية جديدة في عالم المسلسلات؟
الموسم الأول من أي عمل يشبه السلعة كالقماش مثلاً حيث يريك البائع مميزاتها وتفاصيلها وأما أن تشتري وأما لا .. ونجحت كاتبة مسلسل The Witcher لورين في تقديم جانب كبير من العالم رغم قلة حلقات الموسم الأول مقارنةً بضخامة العالم مبرزاً ملامحه وقواعده الخاصة ومخلوقاته المختلفة .. اختارت لورين استخدام تسلسل زمني غير مرتب في سرد القصة وذلك من خلال تتبع الثلاث شخصيات الرئيسية جيرالت، ينيفر، سيري .. وميزة هذا الأسلوب أنه يضفي حالة من الغموض علي أحداث المسلسل وهالة للشخصيات يجعل المشاهد مشدوداً للأحداث، كما يخلق نوع من التواصل والارتباط بين المشاهد والشخصيات الرئيسية لأنه يتنقل بين رحلاتهم طوال الوقت .. ولكن في نفس الوقت هذا الأسلوب يحتاج لدقة شديدة في الكتابة حتي لا تُخلق فجوات كبيرة في الأحداث .. وفشلت لورين في ذلك فشلاً ذريعاً حيث تسببت في تشتيت المشاهدين لأنها لم توجد طريقة لتمييز الأزمنة أيهم الأقدم وأيهم الأحدث وهكذا والتي لن يدركها الا المشاهد إلا بعد بضعة حلقات بالإضافة إلي التنقلات بين الأزمنة .. كما لم تضف الرحلات أي أبعاد للشخصيات بإستثناء ينيفر .. فنجد جيرالت طوال الوقت يخوض مغامرات منفصلة ويحارب وحشاً تلو الآخر دون أي إضافة بل حتي لا نستطيع إدراك الهدف من رحلته .. وانحصر دور الشخصية علي مشاهد الأكشن التي كانت رائعة للغاية علي مستوي التنفيذ والإخراج ووسيلة لتقديم مخلوقات العالم المختلفةالتي كان تصميمها جيداً .. ولولا الكاريزما التي أضافها الممثل هنري كافيل للشخصية لفقد المشاهد اهتمامه بها وهو ما كان سيمثل كارثة للمسلسل.
وعلي عكس جيرالت حظت ينيفر ببناء ممتاز حيث تعرفنا علي نشأتها وماضيها والمعاناة التي تعرضت لها بسبب عيوبها الخلقية فأصبحنا نستطيع فهم دوافعها ومبرراتها .. وقدمت الممثلة أنيا شالوترا تجسيد رائع للشخصية في كافة أطوارها .. نجحت في إبراز معاناة الشخصية وجعل المشاهد يتعاطف معها .. أما سيري فقد حظت بوقت قليل علي الشاشة ومازال الغموض يحوم حولها لا نعرف طبيعة قوتها بعد .. مشاكل كبيرة خلقها المسلسل لنفسه وكان من الممكن تجنبها وتفاديها بكل سهولة.
إذا دعنا نجيب علي سؤال هل تستطيع نتفليكس تقديم تحفة فانتازية جديدة في عالم المسلسلات؟ .. بكل تأكيد فمسلسل The Witcher لديه الإمكانيات التي تمكنه من ذلك .. عالم فانتازي ضخم مليء بالمخلوقات المختلفة والوحوش والصراعات والحروب بجانب توفير نتفليكس لميزانية ضخمة حتي يخرج بالشكل الأمثل .. ولكن لدي بعض التخوفات التي أتمني أن تتبدد في المواسم القادمة .. قلت في بداية المراجعة أننا رأينا جانب كبير من عالم The Witcher في الموسم الأول ولكننا لم نري كل شيء فالمسلسل ركز بشكل كبير علي المعارك الفردية التي كانت نقطة قوة المسلسل مع الموسيقي التصويرية وتصميم المواقع .. ولكن المعارك الجماعية كانت قليلة للغاية وقصيرة وكذلك مواجهات جيرالت مع الوحوش قصيرة ومعظمها دار في الظلام مما يجعلني أشكك حول قدرة المسلسل في تقديم معارك جماعية ملحمية وتصميم المخلوقات بشكل أفضل يقترب من مستوي الأعمال الفانتازية العظيمة .. موسم أول جيد علي المستوي العام ومازال من المبكر الحكم علي العمل .. وأتمني أن يستفيد صناع العمل من الأخطاء التي وقعوا فيها ويعودوا بموسم ثاني أقوي ومبشر لأني لا أبغي أن يكون هذا العمل فرصة مهدرة لصنع تحفة فانتازية جديدة.