مراجعات

مراجعة الفيلم التسجيلي وهن .. عن حياة الجدة سعاد

الفيلم التسجيلي وهن

رجعنا يا زمان لأيام الست والقصبجي وبليغ حمدي .. رجعلنا يا زمان ماضينا وأيامنا الحلوة مع جدتنا .. كيف أحدثك عنها وأصفها لك؟! .. هل أصف لك وجهها الذي مازال جميلاً في عيني رغم تقدمها في السن .. أم أصف لك ابتسامتها المفعمة بالأمل التي تبعث الطمأنينة في نفسي .. هل أحدثك عن القوة المنبعثة من عينيها التي لم تستطع التجاعيد التي رسمها الزمن في محوها .. أم أحدثك عن قصصها وحكاياتها ..

دعني أحدثك عن ماذا كانت تفعل عندما أزورها في بيتها العتيق .. كانت أسارير وجهها تنفرج عن إبتسامة جميلة وتقبلني في جميع أنحاء وجهي ثم تضمني إلى حضنها الدافيء .. سواء أكلت قبل مجييء إليها أو كانت معدتى خاوية لا تدعني أفلت من تحت يديها حتي لا يصبح في مقدوري ابتلاع المزيد .. يوم الخبيز كان المفضل عندي .. كنت انتظر علي أحر من الجمر انتهائها حتى أكل الرقاق والفطير ..

كانت تعي جيداً أنني أعشقهم لذلك كانت تكثر من الكمية .. ولكنهم فقدوا طيبتهم يا جدتي بعد رحيلك .. ربما كنتي تمتلكين وصفة خاصة لإعدادهم ولكني أعتقد أنهم اكتسبوا طعمهم من نفسك ويديك الخشنة .. وليس فقط طعم الفطير والرقاق ما أخذتيه معك بل حتي الطيبة والحنان اختفيا من هذا العالم الموحش ..

ألا تستطيعي العودة لبضع دقائق فقط بضع دقائق لتبعثي الاطمئنان في داخلي وتزيلي بنظرتك الجميلة للحياة الغشاشة السوداء علي عيني.

هل رأيت يوماً الحكمة والحنان والبساطة والشيخوخة والبراءة والحب والصداقة والجدعنة وأجمل ابتسامة تجتمع كلها مع بعضها فى شخص واحد .. أنا رأيت كل ذلك في الجدة سعاد .. أحبت الحياة فأحببتها .. كان لها صوتاً جميلاً لا مثيل له .. عندما تراها تتحدث تقسم أن قلبها لم يزوره اليأس يوماً او لم يكن قد ولد حينها .. لقد علمت من أبنائها أنها كانت تحب الجميع .. كانت تعطي بدون مقابل .. كانت بسيطة بسيطة جداً أقل شئ يرضيها .. كانت تساند الجميع دوماً .. عندما كانت تتحدث عن زوجها وانتظارها له بالشهور والأسابيع والأيام داعية الله أن يعود سالماً لها أيقنت حينها معنى الحب وأن تخاف علي من تحب .. عندما تحدثت عن الثورات التى عاصرتها مثل الحرب العالمية الثانية وثورة 1952 .. عبدالناصر ونكسة 1967 .. السادات وانتصار 1973 .. كان سردها لهذه الأحداث مختلفاً ليس كما كان يسرده الإعلام أو ما كنت اقرأه في المواقع . . منحتها حقيقةً وادركاً غير الذي كنا نعتقده .. لم أعاصر هذه الأحداث ولكن من خلال حكاياتها ورواياتها عن  خوفها من الغارات أثناء طفولتها وعن ذهاب جدي إلي الحرب شعرت كما لو أني عاصرتها.

سأقولها مجدداً البساطة .. لطالما سحرتني وجعلتني أقع في حب جمالها الذي لا يُضاهي .. شخصيات بسيطة وواقعية .. أداء تلقائي .. حوارات طبيعية .. إخراج جميل .. كل شيء بسيط والفخ مهييء تماماً لأقع فيه بملء إرادتي .. لأذوب في عالمه الخاص وأصبح أحد مكوناته .. 20 دقيقة من أجمل الدقائق التي ستعيشها .. 20 دقيقة لخصت سنوات عديدة وذكريات ربما حية أو دفينة .. 20 دقيقة مغلفة بدفء أحضان جدتي .. بكاء من اللحظة الأولى رثاءاً على أيام جميلة مضت دون عودة وحزن على انتهاء شريط الذكريات .. 20 دقيقة بمذاق نوستالجي بديع نابع من فكرة اختيار عبد الرحمن الأبنودى والتوظيف الجميل لأغاني أم كلثوم .. جدتي كانت حية رغم رحيلها طوال الوقت في قلبي ولكنها الآن أصبحت حية في معشوقتي السينما من خلال فيلم وهن الذي اُختزلت ذكرياتي معها فيه .. شكراً لكل من ساهم في صنع هذا الفيلم وأختم مراجعة الفيلم التسجيلي وهن بجملة “المرأة القادرة على عطاء عائلتها كل ذلك المقدار من الحب والمشاعر الدافئة بدون مقابل هي بلا شك أجمل امرأة فى العالم.

 

بقلم: محمد عرفان / ايه فريد

Behind The Scene
بيهايند هي كيان سينمائي مصري متخصص فى مجال ترشيحات الأفلام والمسلسلات وتقديم تغطية لكافة الاخبار الفنية في السينما والدراما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *