كوينتن تارانتينو هو أحد أهم صناع الأفلام المتواجدين على الساحة السينمائية بل فى تاريخ السينما سواء كاتباً أو مخرجاً ، فقد استطاع أن يصنع مدرسة سينمائية خاصة به جعلت له ملايين المحبين و المترقبين لأعماله .
ينظر الجميع إلى تارنتينو كأحد أذكى كاتبى الحوار على الإطلاق و كذلك يعرف عنه العنف المفرط و الدموية و التى أصبحت بصمة من أهم بصماته ، و لكننا كثيراً ما ننسى أنه أحد أقدر المخرجين على بث التوتر فى قلب المشاهد و هو ما دفعنى إلى كتابة هذا المقال .
بالرغم من أن الأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى فسأكتفى بالتطرق إلى شرح مشهدين من فيلمين من أشهر أعماله لتوضيح أساليب كوينتن لتوتير المشاهد .
Django Unchained
يبدأ المشهد الشهير بعد معرفة كالفن (ليوناردو ديكابريو) بالسبب الحقيقى لزيارة الدكتور و مساعده الزنجى و بكل تأكيد لم يكن الحصول على مصارع أسود قوى و لكنه شراء برومهيلدا الخادمة .
يبدأ التوتر من اللحظة الأولى خاصة مع معرفتنا أن شخصية ككالفين لن تتقبل أن تُخدع بسهولة و مع تارنتينو فإنك دائماً تتوقع أسوأ السيناريوهات ؛ يبدأ كالفن بشرحه لجمجمة العم بن خادم والده الذى مات و هو يخدم العائلة مستخدماً إياها كدليل على أن الزنوج خلقوا ليكونوا عبيداً (من وجهة نظره بالطبع) ، لينتهى من شرحه مشيراً و بكل صراحة إلى جيمى فوكس لترتفع معدلات التوتر ، تتنقل الكاميرا ما بين الرباعى المتواجد على الطاولة باستخدام Close Up Shots ليصيب تارنتينو الجميع بالفزع من خلال الدخول المفاجئ لرجال كالفن و سحب الأسلحة من فالتز و فوكس لتُكشف الأوراق للجميع .
يتم استدعاء برومهيلدا ليكون ذلك إيذاناً بخروج أحد أجود المشاهد المرتجلة فى التاريخ و يصبح ديكابريو هو عامل الفزع الأول مع تنقل المونتاج بين Close Up Shot و Medium Shot ليبدأ بالإنفعال و إطلاق تهديداته و رأس برومهيلدا تحت مطرقته فى مشهد تشتد فيه الأعصاب إلى أقصى حد لتتم الصفقة و يضرب كالفن بمطرقته على المنضدة ضربة مباغتة تفزع المشاهد مرة أخرى لينتهى من خلالها هذا المشهد الذى بمجرد مشاهدته يصعب للغاية نسيانه .
Inglorious Bastards
على عكس المثال السابق فالمشهد الذى سأتحدث عنه كان أول مشاهد الفيلم على الإطلاق مما يعنى أن التحديات به أكبر من مجرد خلق توتر و لكن أيضاً نحتاج إلى التعرف على الشخصية بالإضافة لفهم مسار القصة نظراً لكونه مشهد طويل نسبياً .
يبدأ بمشاهد واسعة Wide Shots لتوضيح جغرافية المكان الذى سيدور فيه الحوار و ما يحيط به ليدخل التوتر للأجواء سريعاُ مع اقتراب سيارتين عسكريتين مما يوقف الحركة العادية للعائلة مع دخول الموسيقى الموترة مما يعطى للمشاهد احساس بإقتراب خطر و لكنه غير معلوم الهوية .
يظهر لنا العملاق كريستوفر والتز و الذى يقدم نفسه ك “هانز لاندا” ؛ و هنا لا نرى الصورة المتعارف عليها للضابط الألمانى صاحب الصوت المرتفع و القسوة المفرطة الممزوجة مع انعدام الإحترام لكل ما هو غير ألمانى ، لكننا نرى شخص دبلوماسى للغاية و لطيف إلى حد غريب بل إلى حد مقلق ، بعد دخوله المنزل و طلبه لكوب من اللبن وسط حالة من القلق وسط الجميع و تناقل الكاميرا ما بين الشخصيات بشكل سريع فى كادر متوسط medium shot .
مع بداية الحديث الذى يحمل قدر معقول من التوتر و فى تلك اللحظات التى لا نعرف فيها شيئاً يقرر تارنتينو أن ينزل بالكاميرا إلى تحت الأرض لنرى وجود يهود مختبئين بالفعل فى محاولة منهم للثبات و كتم أنفاسهم حتى خروج لاندا ؛ قرار غاية فى الذكاء يجعلك كمشاهد على دراية كاملة بالموقف مما يزيد من توجسك من ذلك الشخص الذى يظهر لؤمه مع الوقت .من هنا ينتقل الحوار إلى الجزء الأكثر سخونة فيبدأ هانز لاندا فى وصف نظريته عن اليهود و تشبيهه لعلاقته بهم بعلاقة الإنسان و الفأر ؛ حوار فى غاية العبقرية بكل تأكيد و لكن ليس هذا صلب موضوعى و لكن ما هو بعد ذلك .
مع دقات الساعة المتواصلة فى الخلفية منذ بداية المشهد يصل معدل التوتر إلى أقصى مراحله عندما يعلنها لاندا صريحة انه يعرف أنهم مختبؤون تحت الأرضية ليعطيه طوق النجاه الأخير بالإعتراف بأماكنهم لتسهيل المهمة على رجاله و إلا سيقتل هو و عائلته و بالرغم من ذلك لن يحمى الأطفال أيضاً ؛ مشهد رائع يتألق فيه الثنائى والتز و دينس مينوشيت فى دور المزارع “لاباديت” مع قرار تارانتينو بال Close Up على الثنائى .يعترف المزارع بعينين مغرورقتان بالدموع و تتم مجزرة بتوقيع دموية تارنتينو نراها بأعيننا حتى ينتهى المشهد مع هروب شوشانا و Wide Shot كما بدأ الفصل .
تسلسل فى غاية الروعة استطاع تقديم شخصيته هانز لاندا بكل ما لديها من ذكاء و مكر و تلون يجعل منه بعبع للمُشاهد مع كل مشهد جديد يظهر فيه لاحقاً و هذا ما يجعل هذا المشهد هو مشهدى المفضل ما بين كل أفلام العملاق كوينتن تارنتينو .
فى النهاية و بالرغم من بساطة أدوات تارنتينو فى تقديم التوتر و التى تكررت معنا من خلال البدء بحوار فلسفى الهيئة ، مونتاج يتنقل ما بين وجوه الشخصيات ، Close Up ، استخدام الموسيقى أحياناً و تدرج معدل التوتر فى المشهد ليجعل من لحظة نهاية المشهد إما لحظة تفجر فى غاية الرعب و الألم أو لحظة تدخل إحساس بالراحة و السكينة التى تأتى بعد خوف طويل .
هذا هو تحليلى و رأيى و الأهم هو رأيكم لذا ما هو أفضل مشهد موتر بأفلام كوينتن تارنتينو من وجهة نظركم ؟