تقف درة على الثّبات في صميم التّخليق لأدوارها حتى تجذر العلاقة بين المبنى والمعنى.
الفن الخلّاق هو صورة من صور الإدراك العقلي وضرب من الإبداع الفكري، فيوفر فيلم “جدران” ما لا توفره الحياة الواقعية باتّصال مع المنطق.
كيف للجدران أن تُثرثِر وتُخرِج ما في جعبتها؟ وهل تُعتبر أقاويلها إفشاءً للسر أم كشفاً للحقيقة، هذه الأسئلة الغير عقلانية والتي تبدو هاربة من حكايا الخرافات كيف استطاع فيلم “جدران” أن يربطها بالمنطق، هذا العمل الذي يهيّء الملقى بين “الخيال” و “الحق ” و “الوضوح” و “النّضج” فالوضوح سمة النّضج والنّضج عنصر الحق وعند الحق تُستباح طرق الوصول للحقيقة حتى إن مرّت على الخيال كمُرشِد، على غرار مقولة العالِم ألبرت أينشتاين ( المنطق سوف يأخذك من ألف إلى باء والخيال سوف يأخذك إلى أي مكان ) فـ “جدران” يطبّق قاعدة عقلانيّة على فوضى اللاعقل.
وفق قاعدة اللطائف الستّة تخاطبنا درة بهدوء “ليلى” حتى في وجومها تنحت المقصد من النور المبعوث، يلوح ذهنها بالصّمت العميق والعتيق لتتروّى في اختيار كيفيّة ترجمة وجودها والتحقيق فيما خفي.
النفس، القلب، السر، الروح، الروح الخافي والأخفى، هذه هي اللطائف الستّة التي أقرنتها بشخصيّة “ليلى” لأن روحها تغلّبت على الهواجس وتمرّدت على التلاشِ وأصرّت على المبتغى حتى أضاءت وغمُر ضيُّها الممرّات والجحور الكحيلة، حتى في المواقف القصوى من ذري الحياة النادرة صنعت العقيد لتنظّم حياتها.
تُمسك درة القلم والريشة بقبضة التّفكير دون إفراط أو تفريط في تعاملها مع الشخصية الحاملة للأفكار بصوت العقل والحكمة.
تركّز درة على حضورها العاطفي بين قطبي الذاكرة والحاضر فتنير حاسة اتجاه الزمن في الترابط والتعاقب والتوالي بخاصيّتا الدراية النفسيّة التي تُظهر عواقب طفولتها وعزلتها الناجمة عنه والدراية الإجتماعية وهي النتيجة المصطحبة للعزلة والسكون الإجتماعي بالتوغّل في علم “التحقيق الرحيم” للتعرّف على جوهر القصص كتجلية حقيقيّة لكل من الأنا والآخرين.
جمر أداء درة لا يهدأ بثوب ليلى الذي نزعته عند لحظة “الإتّجاهيّة” بين تبديل الروح لتلتبس “ليلى” ثوب يُعيد إلى الماضي لا يشبهها ولا يقربها إلا للحقيقة لتكتشف ما حدث فأسّست العطف على الإستعارات والتحوّلات.
لتلقي من المنظور الأعلى والعدسة الأقرب مفاهيم للجميع بشموليّة كنظرة بانوراميّة بأداء بانورامي فتُطلق هي ذاتها الموسيقى في شرحها دون الحاجة لها فهي عين خبيرة بالإنفعالات.
تحطّ الفراشات على النّور وتتّبع صاحبها، فهي الباحثة عن الرّوح كما يتم الترميز بها حتى لو كانت تحت الرّكام، هكذا ناجدت الفراشة في الفيلم الروح الفانية بالروح النابضة، فالفراشة البيضاء محدّدة الطّقوس والوِجهة فالتقت بالروح النقية لتُترّع الأمل بالكمال.
نادت من صلب الجدار حتى تكلّمت بدلا عنها صخراته التي جُدِلت خباياه كالمُخمل المُطرّز.
على بر الأمان أسدل فيلم “جدران” شراعه وهو بمثابة المفتاح الذهبي للسينما الرقميّة المعاصرة فنيا للزمن الحالي، ليكن انفتاح بوابات جديدة على عرش السينما.