مراجعة فيلم the power of the dog
علي مدار السنوات السابقة، إكتسبت أفلام “الويسترن” أو الغرب الأمريكي شعبيتها من كونها تتبع نهجاً واحداً لا يتغير في مضمونه كثيراً، وهو المتعلق بالأجواء العامة التي تتسم بالحدة والشراسة وتتحكم فيها طباع البشر من ذوي القوة والحمية الشخصية العتيدة و تُبني كاملاً علي صراعات السيطرة والمال بما يساهم في سيادة الفوضي المفرطة وكثرة العنف وغياب أي ظواهر للحياة بشكلٍ طبيعي.
اقوى افلام الغرب الامريكي التى يمكن ان تشاهدها
بالطبع لا يزال أفضل الفترات التي تشبعت “هوليوود” من خلالها بتلك النوعية من الأفلام كانت في السبعينات والتسعينات من القرن الماضي،لا يمكن لعاشق السينما الحقيقي أن ينسي روائع “سيرجيو ليوني” خصوصاً مع النجم المخضرم “كلينت إيستوود” وثلاثية “الدولارات” الشهيرة، وكذلك أفلام النجم الراحل “جون واين” مثل “stagecoach” و “the searchers”، مروراً بأحد أعظم أفلام الويسترن “unforgiven” لإ”لإيستوود” نفسه، ووصولاً لأفلام الإخوة “كوين” آخرهم فيلم “the ballad of the buster scruggs”.
كل هذه الأسماء إشتركت في تيمةٍ واحدة هي التي تم ذكرها في بداية المقال، بما يوحي أنه لم يكن هناك أية محاولاتٍ للخروج عن ذلك السياق،واللعب علي عناصر أخري مثل التعمق في الشخصيات الرئيسية وإبراز ما يدور بداخلهم بإنعكاساتٍ واضحة ومباشرة بما يقدم أبعاداً مختلفة تساهم في بروزة أفلام الغرب الأمريكي بصورةٍ دراميةٍ أكثر بعيدة كل البعد عن كافة الأنمط التقليدية،وأيضاً تقرب من لا يكترث لتلك الأفلام إليها بطريقةٍ مختلفةِ ومثيرة للإهتمام في الوقت ذاته.
وبالفعل، تحقق ذلك بصورةٍ مناسبة إلي حدٍ كبير تتمثل في سيناريو جديد للكاتبة والمخرجة “جاين كامبيون” الحائزة علي جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي عام “1993” عن فيلم “the piano” تعود به من جديد بعد غيابٍ دام لأكثر من 10 سنوات، وتقدم حكايةٍ جديدة من حكاوي الغرب الأمريكي تظهره بصورةٍ مغايرة لما هو معروفٍ عنه، وتعلو به درامياً إلي ما هو أفضل من مجرد مواجهاتٍ نارية وأشلاءٍ تتطاير هنا وهناك ونزاعاتٍ تلونه بلون الدم والحروب الضارية، فيلم the power of the dog هو عملٌ سينمائيٍ يمتلك بضعة عيوبٍ بكل تأكيد، ولكن قوة لغته الدرامية وأدائاته التمثيلية تجعله تجربةٍ فريدة تستحق أن ينظر عليها بعيونٍ التقدير والاحترام لمحاولة التغيير والتجدد فيما تم الإسهاب به مراراً وتكراراً.
قصة فيلم the power of the dog
تدور أحداث فيلم the power of the dog عن “فيل برانك” المزارع ذو الشخصية القوية التي تزرع الخوف والهربة في من حولها، في أحد الأيام يأتي شقيقه “جورج” بزوجته الجديدة “روز” وإبنها “بيتر”، الأمر الذي أزعج “فيل” وجعله عازماً علي مضايقتهما والتعامل معهما بخشونةٍ لا تحمل أية نيةٍ للاحتواء أو حتي تركهم يعيشوا براحةٍ أو سلام.
لم تحتاج “جين كامبيون” سوي لمشهدٍ أو إثنين في البداية من أجل أن تعكس طبيعة “فيل” الغليظة التي لا تمت بصلة سوي للفظاظة في التعامل،من خلال أسلوب “كامبيون” في البداية يمكن الإستنتاج ببساطة ماهية طبيعة “فيل” الذي يتغذي علي مشاعر الغلظة في القول والفعل،و يرتجل الصرامة والحدة من خلال تعبيراته ونظراته الواعرة، فذلك سيجعل المشاهد يدخل سريعاً في أجواء العمل ووضع فرضيةٍ مبدئية عن ما سيقدمه فيلم the power of the dog في الأحداث الموالية.
ليس هذا فحسب، ذلك ينطبق أيضاً علي بقية الشخصيات مثل الأخ “جورج” والزوجة “روز” والفتي “بيتر”، يسهل تماماً فهم طبيعة هؤلاء المختلفة تماماً عن “فيل”، وذلك يحسب ل”جين كامبيون” التي عرفت كيف تدخل المتلقي أجواء العمل وتعايشه الأجواء منذ الوهلة الأولي، ومن هنا ينقسم العمل إلي فصولٍ عديدة تتحرك من خلالها الأحداث بنسقٍ تصاعدي يحدث تحولاتٍ جذرية علي مستوي بعض الشخصيات وأيضاً يضيف إلي الصورة الكاملة لشخصية “فيل” دون مباشرة في الطرح وبصورٍ ولغة حوارية بديعة علي مستوي الكتابة.
كل ذلك ساهم في إزدهار المعني الحقيقي للقصة التي تهدف في الأساس إلي دراسة شخصية رجل الغرب الأمريكي وإرثاء طبيعته التي إقتادتها ظروف الزمان والمكان إلي ما هي عليه وتربت عليه وباتت تنتهجه دون أن يهتز بداخلها الضمير نحو إدراك الصواب وحقيقة تلك الأفعال الخاطئة، ولكن هناك مشكلةٍ تعيب السياق العام لفيلم the power of the dog وهي تتعلق بالفصول الفيلم الأخيرة والنهاية.
حيث أنها إرتكزت علي علاقةٍ معينة بين الشخصيات دون أن ترمز في النهاية إلي شئٍ ما أو تحولٍ معين للشخصيات،قد يلاحظ ذلك ويفهم تماماً في المنتصف وخصوصاً عند شخصية “روز” المتأثرة كليتاً بالمناخ السلبي الغاشم التي تحيي وسطه، ولكن سرعان ما تم ترسيخ تفصيلةٍ ما (لن يتم ذكرها لتجنب الحرق) لم يتم الإستفادة منها في النهاية بشئ، ولذلك يمكن القول أن “جين كامبيون” إجتهدت في صنع فيلم ويسترن محكم درامياً وقوي حوارياً ومتماسك في فصوله الأولي، ولكن لم تكن النهاية بتلك التي تختم العمل بطريقةٍ مثالية رغم جملة الإيجابيات الموجودة به.
إخراجياً، يتجلي إبداع “جين كامبيون” في تصوير جوانب حياة الغرب الأمريكي من خلال تصميم الإنتاج، هناك أيضاً كادرات تصويرية جيدة تعكس حقيقة ما يدور في خلد الشخصيات منها تلك المسلطة علي “فيل” ذو النظرات الثاقبة، كذلك الأمر بالنسبة لموسيقي “جوني جرينوود” التي تناسب فعلياً أجواء العمل ومعطياته الدرامية، كل ذلك يعزز منطقية فوز “جين كامبيون” عن إستحقاق بجائزة “الأسد الفضي” في مهرجان “فينيسيا” السينمائي المنتهية فعالياته منذ أيام قليلة.
قولاً واحداً لا يمكن الجدال حوله، النجم “بينيدكت كامبرباتش” سيترشح لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي، ذلك لأن ما قدمه “كامبرباتش” هو أدق تجسيد للشخصية ومن الصعب علي الأخرين تطبيق ما فعله وذلك الإجتهاد الكبير علي المستوي التعبيري والإنفعالي والميثود أكتينج، لا يمكن لأحد مهما كانت صلابته أن لا يخشي ذلك الإرتجال الصرام والقاتم ل”فيل بيربانك” الذي لا يحتاج إلي هيجانٍ أو غضب أو إثارةٍ للضجيج فيما يخص تعاملاته مع العالم من حوله، يكفي نظرةً واحدة توضح كل شئ ونفهم من خلالها كل شئ، تلك هي الأدوار التي تعظم من موهبة “كامبراتش” الذي يجب أن يختزلها داخل بوطقة “Doctor Strange” فقط لا غير.
يقابله علي الجانب الأخر أدائاتٍ تمثيلية جيدة من الموهبة التي لا تقدر بالشكل الكافي “جيسي بليمنز” الذي بات موثوقاً من قبل الجميع ويحبون العمل معه بما يؤهله للظهور بكثافة سينمائياً، والجميلة “كريستين دانست” التي ساهمت بشكلٍ كبير في تدفق الدراما إلي أعلي مستوياتها خلال الأحداث، والممثل الواعد “كودي سميث ماكفي” الذي أجاد في اللحظات التي أتيحت له وساهم وجود “بينيدكت كامبرباتش” بجانبه في عدة مشاهد في إعطائه الثقة الازمة من اجل أن يسجل حضوره جانب الأخرين وينال الإشادة مثلهم.
في الختام، يظهر فيلم the power of the dog بشكلٍ مفاجئ دون ان يعرف أحد أخباره أو تفاصيله قبل صدوره بفترة، ولكنه عملٍ درامي جيد يعطي متنفساً جديداً لأفلام الغرب الأمريكي قلما نجد من يتخطي حواجز المألوف عن هذه الأعمال، وينغمس في نفوس البشر بما يعكس حقيقة ضمائرهم المنتشية بالكثير من المغالطات.
1 Comment