مراجعات

التحفة الكلاسيكية التي كادت تتلاشي – مراجعة فيلم The Passion of Joan of Arc

فيلم The Passion of Joan of Arc

تدور أحداث فيلم The Passion of Joan of Arc حول محاكمة “جان دارك” بتهمة الهرطقة لأنها زعمت أنها تحدثت إلي الله ومحاولات رجال الدين لإجبارها علي التراجع عن ادعاءاتها ومزاعمها وذلك بشتي الوسائل سواء بالتعذيب أو المعاملة الغير إنسانية أو الحيل للإيقاع بها

نوع الفيلم : سيرة ذاتية – دراما 
إنتاج سنة : 1928
بطولة : ماريا فالكونتي
كتابة : جوزيف دلتيل – كارل ثيودور دراير
إخراج : كارل ثيودور دراير

اعلان فيلم The Passion of Joan of Arc



الأحداث :
ركز “دراير” علي إبراز إنسانية “جان دارك” دون أن يأبه أو يهتم لحقيقة مزاعمها، لصدقها من كذبها، لم يكن يهتم إلا بالفتاة ذات ال19 عام ذو الملامح البريئة والعينين الجميلتين لذلك إستخدم اللقطات القريبة من أجل التركيز علي مشاعرها وإبراز إنسانيتها وذلك عن طريق ملامح وجهها وعينيها الفياضة بالمشاعر، كما ركز “دراير” علي محاكمة “جان دارك” نظراً لأهمية هذا الحدث دون أن يتعمق في تفاصيل هذا الحدث أو ينجرف وراء المزاعم لان هدفه ليس إبراز الحقيقة كما قلت ولكن جعل الجميع ينظر لها بعين الانسانية والعقل دون أن يصدقها أو يكذبها، جعل الجميع يتعاطف معها فمهما كانت فهي إنسانة ولا تستحق كل هذا الإضطهاد والعذاب لذلك وبدون أي مقدمات أو تقديم خلفية عن الشخصيات نجد أمامنا في بداية الفيلم فتاة في عمر ال19 ترتدي ملابس الرجال وهي متهمة بالهرطقة وقضاة لمعاقبة هذه الفتاة. 
تتطور الأحداث لنكتشف أن المحاكمة ليست عادلة، ليست بهدف معرفة الحقيقة بل من أجل جعل “جان دارك” تعترف بأنها كانت علي خطأ وأنها ليست قديسة مرسلة وتم الضغط عليها سواء من خلال الأسئلة الموجهة من رجال الدين أو التعذيب سواء كان الجسدي أو النفسي وفي أثناء كل هذا يركز “دراير” علي وجه “جان دارك” ومشاعرها ورود أفعالها وتفاعلها مع كل ما يحدث حتي أثناء تعذيبها لم يكن يهتم إلا بشعورها وكأنه لا يأبه لصحة مزاعمها من عدمها، وكأنه لا يأبه إلا بالفتاة الشابة التي علي وشك الحرق وهي حية إن لم تتنازل عن أقوالها وتعترف بأنها كانت كاذبة، وكأنه يريدنا أن ننظر لها بعين العقل والانسانية.

ثم يختتم “دراير” تحفته بمشهد حرق “جان دارك” وهي حية، مشهد مؤلم جداً وفظيع يعبر عن قسوة البشر وانعدام إنسانيتهم، وهنا يلعب “دراير” علي أوتار عاطفتنا يجعلنا نشعر بآلامها ومعاناتها، يجعلنا ننحي عقلنا ونتسائل كيف اجتمع هؤلاء ممن يدعون أنفسهم متدينين ومارسوا الألاعيب علي هذه الفتاة البسيطة حتي أجبروها علي الإعتراف؟، كيف تجرد هؤلاء من إنسانيتهم وقاموا بحرق فتاة في التاسعة عشر من عمرها وهي حية؟ بل كيف استطاعوا حرقها وهم يعلمون أنها بريئة؟، كيف لم تهزهم دموعها كيف؟!.
مشهد مؤلم وقاسي وأكاد أُجزم أنه أصعب مشهد رأيته وكيف لا؟! وأنا أجد أمامي فتاة في مقتبل العمر تُحرق حية، وكيف لا؟! وهذه الفتاة تستسلم للموت وتذرف الدموع في مشهد يمزق القلوب، وكيف لا؟َ! وقد جسدت “ماريا فالكونتي” معاناة هذه الفتاة بعينيها الفياضة بالمشاعر، وكيف لا؟! ومعزوفة “Voices Of Light” تُعزف علي أوتار ألم ومعاناة هذه الفتاة وقد كانت طبقات هذه المعزوفة تعلو لتزيد من صعوبة هذا المشهد وكأنها كانت بمثابة آهات “جان دارك”.


التحفة الكلاسيكية التي كادت تتلاشي - مراجعة فيلم The Passion of Joan of Arc 1
التمثيل :
-كانت “ماريا فالكونتي” بمثابة روح هذا فيلم The Passion of Joan of Arc والقلب النابض له ولولا أداؤها لفقد الفيلم الكثير من بريقه وجماله وسحره، فقد استطاعت تقديم أداء عظيم لدور صعب يستحق أن يُصنف من وجهة نظري أفضل أداء نسائي في التاريخ نجحت من خلاله في إيصال ونقل العديد من المشاعر والأحاسيس عن طريق ملامح وجهها وعينيها التي ما إن تنظر إليهما حتي تشعر بفيضان من المشاعر نابع منهما، وتكمن صعوبة الدور في اللقطات القريبة التي استخدمها “دراير” مما جعلها مطالبة بأن تنقل شعورها بإستمرار عن طريق ملامح وجهها، والشيء الغريب أن هذا الأداء هو أداؤها السينمائي الوحيد ولكنه كان كافياً لتخليد إسم “ماريا فالكونتي” حتي قال عنها أحد النقاد “لا يمكنك أن تعرف تاريخ السينما الصامتة ما لم تعرف وجه ماريا فالكونتي”.
التحفة الكلاسيكية التي كادت تتلاشي - مراجعة فيلم The Passion of Joan of Arc 2

الموسيقي التصويرية :
– تعتمد السينما الصامتة علي عنصرين: الصورة والموسيقي، وتعتبر الموسيقي بمثابة تعويض لغياب الصوت كما أنها تضيف بعض الواقعية، وفي فيلم The Passion of Joan of Arc كان عنصر الموسيقي حاضراً وبقوة فقد كانت بديلة لطبقات الصوت، فنحن لا نسمع صوت صراخ الكاهن لذا فالموسيقي تعوض ذلك، نحن لا نسمع صوت “جان دارك” وهي تتألم لذا فالموسيقي تعوض ذلك، وهذه هي مشكلتي مع السينما الصامتة فأنا لا أستطيع أن أندمج مع الفيلم أو أعيش التجربة تماماً بسبب غياب الصوت فأنا أشعر وكأنني معزول عن الشخصيات وكأن هناك حاجز بيني وبين الشخصيات لذا لم أستطع الإندمج مع التجربة تماماً لذا فالصوت كان عنصراً مهماً تتقده السينما الصامتة وساعدت الموسيقي في التخفيف من أثره كما أنها أضافت بعداً شاعرياً ولمسة واقعية للفيلم.


التحفة الكلاسيكية التي كادت تتلاشي - مراجعة فيلم The Passion of Joan of Arc 3
الإخراج :
– نجح “دراير” في تقديم عمل عن “جان دارك” بطريقة مختلفة عما تناولته الأعمال الأخري سواء كانت أفلام أو مسرحيات، فقد اكتفي بذكر المحاكمة دون أن يتعمق في تفاصيلها أو ينجرف وراء المزاعم وخلال هذه المحاكمة استخدم اللقطات القريبة من أجل التركيز علي مشاعرها وملامحها وتفاعلها مع كل ما يحدث في المحاكمة حتي أثناء تعذيبها الكاميرا لم تفارق وجهها، فقد برع “دراير” في تصويرها وتقديمها لنا برداء الفتاة البسيطة ذات ال19 عام.
وكادت تحفة “دراير” الكلاسيكية تتلاشي حينما فُقدت نسخته الأصلية مثلما حدث مع بعض الكلاسيكيات الأخري ولكن قُدر للفيلم ألا يتلاشي عندما تم العثور علي نسخة أصلية له في إحدي المصحات العقلية عام 1981.

فيلم The Passion of Joan of Arc تجربة سينمائية شاعرية مذهلة عظيمة وأقرب للكمال نتج عنها واحد من أفضل 10 أفلام شاهدتها وأفضل أداء نسائي وحتي الآن لا أستطيع تصديق أن هذا العمل صدر في عام 1928.

محمد عرفان (Arf Ofy)
السينما هى كيفية أن تعيش أكثر من حياة .. حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده .. وهدفي هو ترشيح أفلام جيدة ومختلفة تحترم عقليتك كمشاهد .. وتسحبك معها إلي عالمها المليء بالسحر والأفكار والمشاعر كي تعيش تجربة لا تُنسي تنغمس فيها بكل حواسك.