مراجعة فيلم reminiscence
قد لا يعيش البعض علي نغمات الراحة والسلام النفسي تحت ظلال الواقع الحياتي المحيط بهم حالياً، حيث يزداد نفورهم من الدوران المستمر داخلٍ روتين رتيب يتكرر بتفاصيله ووقائعه يومياً بما لا يحتمله البعض، أو الأسوء من ذلك يتباعدون في الغالبية عن الاتصال المباشر والحيوي بالعالم الذي تتسارع فيه الأحداث دون توقف وكل جديدٍ يظهر في الواجهة يطفو علي سابقه وبالأسوء أيضاً إن جاز التعبير.
فيصبح الماضي منفذهم الدائم لتعويض ما يتعرضون إليه من إحباط حيث يخطون بأقدامهم ممرات الذكريات السابقة بتفاصيلها الحسنة التي ما كانت سوي مصفوفاتٍ من اللحظات السعيدة تزيح غبار الليالي المريرة التي تغذي نفوس البشر باليأس العارم من عدم تغيير أي شئ أو ظهور بوادر لفعل ذلك.
في أجواءٍ مشابهة لمسلسل “Westworld”، يبرز كل ما سبق وضوحٍ جلي في فيلم reminiscence الجديد للمخرجة “ليزا جوي” التي لمع إسمها بما قدمته في المسلسل من تلامسٍ قصصي بديع مع الحقائق الواقعية ، ولكن بالرغم من القابلية التامة لما يريد فيلم reminiscence أن يتحدث عنه، لم تكن قرارات “ليزا جوي” موفقة في كثيرٍ من الأوقات، ولربما نسيت أنها تعمل تحت راية “هوليوود” السينمائية التي تهدف إلي صناعة فيلمٍ جيد ومتوازن علي الصعيد الفني والإخراجي والقصصي دون إختلال تلك الكفة علي الإطلاق،وتختلف تماماً عن أريحية الأعمال التلفزيونية في سرد التفاصيل باستفاضة وتطرق مباشر وغير مباشر للأفكار المقدمة.
افضل افلام ومسلسلات HBO MAX 2021 – القائمة الأفضل هذا العام
المقصد من ذلك وهو هدف المقال الأساسي هو أن فيلم reminiscence كان من الممكن أن يستثمر فكرته بطريقةٍ أفضل من ذلك، لأنه ببساطة يلعب علي تيمةٍ معينة هي بمثابة الطريقة المثلي للإتصال المباشر مع المتلقي، وترمز لأمورٍ حقيقية قد يلتمسها في حياته وما يدور حولهم في الوقت الراهن أو ربما تحدث له في المستقبل لاحقاً.
قصة فيلم reminiscence
تدور أحداث فيلم reminiscence عن “نيك بانيستر” المحقق الخاص والمهتم بمساعدة البشر علي إسترجاع ذكرياتهم السابقة بطرقه الخاصة، ولكن حينما يقابل الفتاة الشابة “ميا” ويحس بعاطفة الحب تجاهها، تتغير حياته بشكلٍ كبير حينما يكتشف ل”ميا” أسرارٍ خاصة في الماضي لم يكن من المتوقع أن تكون شغل “نيك” الشاغل في معرفتها وفك رموزها مهما كانت الثمن.
تكمن عيوب سيناريو فيلم reminiscence في طبيعة لغة السرد الخاصة به، بدايةً من التحول المفاجئ الذي حدث في بداية الأمر دون تمهيدٍ مسبق (ولربما لا تكون تلك النقطة بالتحديد مشكلة عند البعض ولكنه إنطباعٍ شخصي في الأول والأخير)، ثم وصولاً للتنقل المستمر بين الماضي والحاضر وعدم ربط خطوط الأحداث بالشكل الأمثل، وذلك بالفعل يعكس تأثر “ليزا جوي” بما قدمته مسبقاً في مسلسل “Westworld” التي إعتمدت فيه أيضاً علي تعددية الفترات الزمنية والتحرك بينهم جمعياً بشكلٍ مستمر.
أيضاً، المشكلة الأخري هي تباطئ إيقاع فيلم reminiscence بشكلٍ كبير في النصف الأول حتي تحسنت الأمور بشكلٍ نسبي في الفصول الاحقة، ولكن ما ترتب علي ذلك من حدوث نوعاً من الملل المثير للنوم في بعض الوقت نظراً لتكرار عدة مواقف تعكس حالة شخصية “نيك” الساعي للبحث عن “ميا” وحل لغز إختفائها المفاجئ، ولكنها تدور حول نفس النقطة دون تحركٍ مثمر للأحداث أو حدوث أي تطوراتٍ تشد إنتباه من يتابع الفيلم وتحوذ علي إهتمامه.
ولكن علي الجانب الأخر، يبقي أفضل ما في فيلم reminiscence هي الفكرة كما تم الإشارة إليها مسبقاً، من حيث تناولها بطريقةٍ مباشرة وبروزها من خلال بعض أحداث النصف الثاني من الفيلم كان الأفضل بكل تأكيد، هناك بالطبع إسقاطاتٍ واضحة وصريحة علي ما يحدث في الحقيقة، ولكن دون إستفاضةٍ زائدة أو خروجٍ لا مبرر له عن كونه إطارٍ خارجي للقصة الأساسية فحسب، وإختيارٍ مناسب للطبيعة الخارجية التي تندرج تحب بند الديستوبية الخيالية التي ترمز للمجتمع بصفاتٍ ليست بالحميدة، خلاصة ما سبق وفي جملة واحدة أن فيلم reminiscence ” فكرة جيدة بصياغة ليست بالمثالية” تجعله بطبيعة الحال ليس ضمن أفضل أفلام عام 2021 علي الإطلاق.
إخراجياً أفضل ما يقال عليه أنه متوسط ليس بالممتاز أو الأقل من ذلك التصنيف، هناك بصمةٍ واضحة من “ليزا جوي” في تصميم الإنتاج وتطويره باستخدام المؤثرات كما لو أنه شيئاً حقيقياً يصور العالم في نسخةٍ مستقبلية منه، ولكن هناك بكل تأكيد عيوبٍ في المونتاج من حيث التنقل السلس بين المشاهد وكذلك ترتيب اللقطات التي تكون التتابع المناسب للقصة، ولكن ما استطاع تعويض النتاج السئ لما سبق هو إختيارات “ليزا جوي” الجيدة لفريق التمثيل.
“هيو جاكمان” كالعادة يقدم أداءاً جيدة يبرهن فيه أيضاً علي أنه خارج عباءة “ولفرين” قادراً علي عكس الشق الدرامي للفيلم من خلال تعبيراته الدقيقة سواءاً كانت إنفعالية أو حوارية، وقد بدي عليه الإرتياحية التامة في تقديم الشخصية والمحافظة علي نسق الأداء والتمايل بما يقدمه عند حدوث تحولاتٍ جذرية في الأحداث، تقابله علي الجانب الأخر “ريبيكا فيرجسون” التي نجحت هي الأخري في إتقان دور الفتاة الساحرة التي تحمل ماضياً خفياً وأسراراٍ عدة عن حياةٍ عصييبة بمواقف تحمل زخماً كبيراً من التفاصيل.
في الختام، ربما أرادت “ليزا جوي” أن تقدم عملاً فنياً ذو قيمةٍ عالية علي مستوي العناصر السينمائية، ولكن بالرغم من القابلية الشديدة للفكرة إلا أنه كان من المنتظر أن يقدم الفيلم بطريقةٍ أفضل مما ظهر به للجمهور في السينما أو حتي خلف شاشات التلفزيون.