لقد عُرف الانسان بكونه صاحب رغباتٍ فطرية بحاجة لإشباعها بكل وسيلةٍ ممكنة، وغرائز عديدة لا بد من زرع الانضباط والنظام بها حتي لا يعلو الخبيث منها علي الحميد وتتوالي الأفعال الحيوانية التي قد تنم عن كل مهو فوضوي ومنافٍ للعقل والمنطق، هناك من يمتلك زمام التحكم بطبيعته الخاصة ويمضي بحياته علي أسسٍ سليمة يحقق منها ما يريد، ومنهم من تحركه نزواته الشيطانية لفعل المنكرات وافتراس غيره دون رحمةٍ أو شفقة.
وهؤلاء لا يدركون ماهية آثار ما ارتكبه علي ضحاياهم والعذاب النفسي والقهري الذين يلاقوه وقتما انتزعت انسانيتهم منه علي مراي ومسمع من آخرين لم يحركوا ساكناً لاخماد نيران هذا الجنون الناشز بما تحويه الكلمة من معنى، ولكن هناك من يرفضون الاستسلام وترك أنفسهم حبيسة الاكتئاب لفتراتٍ طويلة، تتسارع الافكار في مخيلاتهم بغرض الانتقام ومواجهة كل مجرمٍ بما فعله حتي لا يتكرر مثل ذلك ثانيةً وإلا واجه ما لن يرضيه وجعله علي حافة الخطر والوقوع في شر أعماله.
مراجعة فيلم Promising Young Woman
في فيلم “Promising Young Woman” الطريقة تأخذ منحناً يختلف تماماً عن الطبيعي، حيث يتدخل آخرون من ذوي الضحية أو من أصدقائها للتصدي المباشر لمن سول له عقله فِعل ما فَعل بما يخصه شكلاً ومضموناً، فيرتدي ثوب الثقة المتناهية ويسعي بكل ما آوتي من قوة لقلب الطاولة علي هذه الفئة المتطرفة من البشر والكيد بهم دون إثارة الجدل أو القيام بزوبعة يتحدث عنها العالم.ولهذا يعد الفيلم، بجانب كونه انطلاقة مثالية للمخرجة الشابة “إميرالد فينيل”، نافذة مختلفة وخيالية علي كيفية مجابهة الشرور المطلقة التي تسعي في الارض بانحلالها الأخلاقي، ودرسٌ سينمائي لمن خرصت ألسنتهم عن الحقيقة وامتنعوا عن الغدو سبباً في انتصار الحق تاركين الكارثة تتفاقم سوءاً، سيناريو مثقل بالاحداث وأداء تمثيلي بديع من “كاري موليجان” أعطي نفساً أخراً لعام ٢٠٢٠ علي المستوي السينمائي في ظل ندرة الافلام صاحبة الجودة في جميع عناصرها.
تدور أحداث الفيلم عن “كاسندرا” الفتاة التي تركت جامعتها بعدما تعرضت صديقتها “نينا” لحداثة بشعة علي يد مجموعة من الشباب، فتشرع “كاسندرا” ليلاً في اصطياد من يرغبون في اغوائها وتدون أسماءهم في مفكرة صغيرة كي تواجههم بما فعلوه في للوقت الاحق، ولكن تحدث مقابلة غير متوقعة ل”كاسي” تأمن لها فرصة سانحة من أجل تصحيح كافة أخطاء الماضي وإعادة الحق لأصحابه.سيناريو فيلم Promising Young Woman التي كتبته أيضاً “إميرالد فينيل” لا يبدأ بطريقةٍ تقليدية من حيث التعريف بشخصية الفيلم الأساسية، بل إنه يقدم صورة مرئية من واقع أفعال “كاسي” ترفع من مستوي الترقب لفصول الفيلم القادمة التي حملت في طياتها بضعة تفاصيل عن شخصية “كاسي” كي يستطيع المشاهد تحديد ما ان كان سيتعاطف معها من الأساس أم لا.علي الجانب الاخر هناك تساويٍ ملحوظ في الاهمية بين فصول الفيلم التي أفترشت الطريق لشخصية “كاسي” في سعيها لتحقيق غايتها الخاصة، بمعني أن السيناريو رسخ بأريحية محاولات “كاسي” لمصارحة المتسببين بشكل غير مباشر فيما حدث ل”نينا”، ولحظات الحب المتبادل بين “كاسي” و”رايان” التي مهدت لاحدي تفاصيل الفيلم المحورية، وصولاً لفصل النهاية الذي ختم القصة بنهاية مبهرة بالرغم من حدتها بعض الشئ.جديرٌ بالذكر وجود إنضباطٍ الكُبير علي مستوي الإيقاع و دون أدني تسرعٍ في سرد التفاصيل المهمة أو إعطاء الوقت لمرحلةٍ ما علي حساب الاخري، وكذلك في المونتاج الذي ساهم في ترتيب المشاهد علي نحوٍ مناسب لطبيعة القصة وما يجب أن تتشكل به كي تصلح كعملٍ يسهل مشاهدته، ولهذا قد يصعب علي الاكاديمية تجاهل تلك المصفوفة السينمائية البديعة في ترشيحاتها للاوسكار بعدما نجح الفيلم في عكس الواقع بنهجٍ مغاير لأسلوبه المعروف بالرغم من كونه مؤدي لنفس النتيجة التي يأمل الجميع أن تطهر العالم من آثام متجاهلي فعل الصواب من الأمور.
الإيجابيات لا تقف عند هذا الحد، فقد تمكنت النجمة البريطانية الحسناء “كاري موليجان” هنا من إحداث نقلةٍ فريدة من نوعها في مسيرتها الفنية المليئة بعديد الادوار المساعدة، قدرة مذهلة أظهرتها “موليجان” علي التلاعب بتعبيرات الوجه وخداع الجميع، وإظهار اعتزاز “كاسي” بنفسها سواءاً كان عن طريق النقطة السابقة أو عن إلقاء الحوار، والليونة الجسمانية التي تتوافق مع طبيعة “كاسي” وتعتبر سلاحها لإيقاع من يحاولون اللحاق بها أو تعتبرهم هي ضمن أهدافها المخطط لها.
حتي في الجانب الرومانسي لم تتواني “موليجان” في مشاركة الممثل “بو برنام” مشاعر حب حقيقية وقتما سمحت القصة بذلك، وإبداء الحزن شكلٍ صادق الي حد نتيجة خسرانها لصديقتها العزيزة، ولهذا تستحق “كاري موليجان” الدخول الس غمار المنافسة علي جائزة الاوسكار للمثلة في دور رئيسي نظير ما قدمته من أداء تمثيليٍ بارع يستحق كل الإشادة والتقدير.في الختام، لا يزال الواقع مادة خصبة للعمل السينمائي باتت تؤخذ علي محمل الجدية بشكل متوسع في الآونة الاخيرة في ظل قابليتها عند غالبية محبي الفن السابع، ولا عجب أن غالبية صناع تلك الافلام هم من الشباب الصاعد الواعد الذي لاقي وشهد مؤخراً عديد الظواهر والسلوكيات المسيئة التي تخالف ثقافات الناس المتشبعة بالقيم السمحة والمبادئ النبيلة، فالعالم حالياً يهيمن عليه مناخاً فاسداً يتسارع فيه الكثيرون علي إرضاء غرورهم وإشباع شهواتهم دون أن يكون هناك رادعٍ لهم.