هناك حرق لبعض الأحداث في فيلم Marriage Story
تراكمات داخلية علي مر السنين .. بين كلام لم يُقال وذات خامدة ثارت .. امرأة كانت وراء رجل عظيم قررت الإنفصال .. نعيش مع الشخص الذي نحبه ونظن أننا نعرفه جيداً .. ثم نكتشف أننا لا نعرفه علي الإطلاق .. أننا عالمان منفصلان.
هل اقتنعتم الآن بواقعية نهاية La La Land التي لم تكن تُعجب معظمكم؟! .. بأن لا مكان للحب بين الحالمين .. بأن لا وجود للنهايات السعيدة على أرض الواقع ..بأن النهايات السعيدة هي مجرد قصص لم تنته بعد .. كل شخص يسبح في حلمه الخاص .. في عالمه الخاص .. تشارلي في نيويورك .. ونيكول في لوس أنجلوس.
إن فيلم Marriage Story ليس قصة زواج سعيدة بين حبيبين بل قصة زواج شارف علي الإنتهاء .. حب يحاول وحده وقف قطار الإنفصال القادم بسرعة كبيرة ولكنه لا يكفي .. يجب عليك أن تسأل نفسك سؤال لماذا طلبت نيكول الطلاق؟ .. – بسبب خيانة تشارلي – .. امم جدياً إذاً لماذا تعامل الفيلم معها كأنها مشكلة بسيطة كالمشاكل البسيطة التي تحدث بين أي زوجين ولم يسلط الضوء عليها؟ .. – …….. – حسناً سأخبرك لأن الزواج كان سيؤول عاجلاً أم أجلاً إلي هذه النهاية الحتمية التي كانت يجب أن تحدث منذ وقت طويل سواء بخيانة أو من غير وذلك لأسباب عديدة …
1- الوعد: كل كلمة تخرج من فمك هي وعد .. وإذا لم يكن في نيتك أن تقوم بهذا الشيء فلا تقله .. وهو ما لم يلاحظه تشارلي طوال هذه السنوات .. أنه كان يعزف علي أوتار أحلام وأماني نيكول بلا رحمة .. يعدها بإخراج المسرحية التالية .. مسرحية تلو أخري تلو أخري تلو أخري ولم تأت المسرحية التالية أبداً .. يعدها بالإقامة لفترة طويلة في مدينتها المفضلة لوس أنجلوس .. سنة وراء سنة وراء سنة ولم يحن موعد هذه الفترة بعد.
2- فقدان الشغف والإنبهار: لا شيء يضاهي لذة أول شعور حب .. حين تشعر بأنك فعلاً علي قيد الحياة وكامل .. حين تلتف حول نفسك وتذوب المباني والأشياء من حولك ويكون شعور السعادة بداخلك كافياً ليغمر هذا الكون الشاسع بأكمله .. جنون أول مرحلة في العلاقة حين تكون اللحظة الحالية هي المستحوذة فقط علي كل حواسك وتفكيرك .. ليلة جنونية واحدة كانت كافية لتقوم بأفعال جنونية بلا تخطيط وتتخلي عن خططك المستقبلية .. نيكول تخلت عن البقاء في لوس أنجلوس وحلم أن تصبح نجمة سينمائية من أجل الإنضمام إلي تشارلي في نيويورك تعمل في مسرحياته .. ولكن عندما يُفقد الشغف ويختفي الإنبهار تصبح مجرد شخص جعلها يضحك مرة في حفلة أو مجرد مخرج سينمائي جعلها تشعر بأنها علي قيد الحياة مرة علي المسرح.
3- الحلم أو الذات أو الكيان: كما قلت سابقاً لا مكان للحب بين الحالمين .. فهم يمشون في طرق لن تلتقي أبداً .. ولا يكفي الحب وحده لجعل طرقهم تتلاقي .. نيكول اكتفت من هذه الحياة وترغب في أن تكون كياناً مستقلاً .. اكتفت من التقدير الذي يذهب إلي الفرقة المسرحية ككل وحجمها الذي يتضائل .. اكتفت من تغذية كيان تشارلي علي حساب كيانها .. سمها أنانية كما شئت ولكن ليس هناك حالماً غير أناني .. فهم لا يستطيعون العيش كالناس العاديين يتزوجون ويعيشون حياة روتينية مملة حتي مماتهم ولا يتذكرهم سوي أبنائهم وبعض أقاربهم.
4- التراكمات: أخطر شيء يهدد أي علاقة هي التراكمات .. مشكلات تتراكم علي مر السنين دون مواجهة وحديث عنها .. وعندما تكون العلاقة في أسوأ حالاتها تُعرض كمشاهد فلاشباك أمام عينيك .. وعندما يحين موعد المواجهة والإنفجار سوف تُصدم من حقيقية مشاعرك وترتعب من الأفكار التي تدور داخل عقلك التي قد تصل إلي تمني الموت لشريكك.
البساطة العظيمة هو الوصف الأمثل لهذه الحالة .. كل شيء بسيط ولكن توظيفه وتقديمه عبقري .. في المشهد الإقتتاحي نجد تشارلي ونيكول يسردان مميزاتهما من وجهة نظر أحدهما الآخر فنظن أنهما زوجان محظوظان يعيشان حياة زوجية سعيدة .. ولكن المظاهر خداعة كما يقولون حيث نتفاجأ بعد ذلك بأنهما يستعدان للإنفصال وما هذه المميزات إلا محاولة إيجابية للإنفصال بشكل ودي حتي لا يحتدم الخلاف بينهما .. بداية رائعة نصفها الأول دافيء تم تقديم الشخصيتين بشكل جميل للغاية يجعلنا نحبهما ونصفها الآخر مفاجيء وصادم جذب انتباهي بشدة لمتابعة الفيلم بتركيز شديد ولهفة لمعرفة أسباب ذلك .. حاول السيناريو أن يكون محايداً بقدر الإمكان لا يرجح كفة طرف علي الآخر .. يعطي كل فرد الفرصة ليقول ما عنده ويبرر أفعاله .. ربما حظت نيكول بفرصة أكبر قليلاً ولكن هذا بديهي لأنها الطرف الذي يرغب في الإنفصال عكس تشارلي الراغب في الحفاظ علي الزواج والحياة المستقرة .. حياد السيناريو جعلني متحير بشأن من اتعاطف معه ومن اكرهه .. وفي نهاية المطاف تعاطفت مع الطرفين ليس السبب ما حدث معهما بقدر ما هو واقعيتهما الشديدة .. فإذا سردت لك أفعالهما وصفاتهما فستظن أنهما شخصان سيئان ولكن لهذا السبب بالتحديد تعاطفت معهما .. لأنهما قاما بالعديد من الأخطاء التي قد يقع فيها أي فرد منا .. لأنهما مثلنا فالشخصيات الملائكية المثالية التي لا تخطيء ولا تؤذي أو تجرح أحد لا وجود لها علي أرض الواقع.
في البداية يتفق الطرفان علي الإنفصال بشكل ودي والإتفاق علي كل شيء فيما بينهما.. وما يلبث أن يتحول الأمر إلي لعبة مونوبولي يرغب كل فرد في الإستحواذ علي كل شيء .. وفي الخارج ينتظر المحامون كالحيوانات الدنيئة ظهور الفريسة ليستغلوها بأبشع شكل ممكن ويشوهوا أجمل وأسمي معاني الوجود ..يتعاملون معهم علي أنهم مصدر ربح بدلا من بشر كُسر شيء بداخله .. يحاولون إظهار أسوأ ما فيهم من أجل كسب القضية دون أن يكترثوا لروابط الحب والإحترام الباقية التي من الممكن أن تنقطع للأبد.
نواه بومباك فنان .. رسم رائع لشخصيات شديدة الواقعية مدعومة بحوارات قمة الجمال .. منذ وقت طويل لم أستمتع بسيناريو فيلم Marriage Story بهذا الشكل .. يثبت نواه أنك لا تحتاج إلي تقنيات عالية من أجل إخراج فيلمك بشكل عظيم .. أعطه كاميرا موبايل وسيفعل هذا لأن نواه ببساطة يعرف ما يريد .. كل شيء مرسوم داخل عقله .. تصميم المشاهد رائعة للغاية قلما تجد فيلماً مليئاً بهذا الكم من الماستر سينز .. مشاهد عديدة جمعت بين تشارلي نيكول معاً ولكنك تشعر بوحدتهما والمسافات الشاسعة التي يبعدان بها عن بعضهما بسبب تهميشهما علي أطراف الكادر .. المشاهد المطولة لا يمكنني وصفها لك كل ما أستطيع قوله أنك ستعيدها مراراً وتكراراً .. ولم يكتف بذلك فقط بل أخرج من الثنائي سكارليت وآدم أداءاً هو الأفضل بالتأكيد في مسيرتهما حتي الآن .. عندما شاهدت فيلم Lost in Translation أدركت بأن سكارليت موهبة رائعة مهدرة في الأعمال التجارية .. و فيلم Marriage Story أكد لي ذلك .. أداء ثقيل لدور صعب يتطلب قدرات عالية نظراً لتركيز الكاميرا علي وجهها في أغلب الأوقات ناهيك عن المشاهد المطولة .. آدم درايفر ونقطة الخلاف التي ستكون بيني وبين الجميع .. قدم آدم أداء رائع وبالتأكيد هو الأفضل في مسيرته ولكنه لا يستحق في نظري هذا التقدير المبالغ فيه .. ادم بارع في المشاهد الإنفعالية المتفجرة ولكن المشاهد الهادئة لم تكن موفقة بإستثناء مشهد الرسالة .. ولولا الحوار وبراعة نواه في تصميم المشاهد لما انكسر الحاجز بيني وبين شخصية تشارلي.