نقدم لكم مراجعة فيلم Judas and the Black Messiah، ولكن قبلها لابد من ذكر أنه لا تزال السينما الهوليودية تتطرق للماضي في الكثير من أفلامها وتكشف عن وقائعه خصوصاً تلك التي تنعكس علي حاضر البشرية بتطابقٍ واضحٍ للعيان، ويُخص بالذكر تاريخ الأمريكين ذوي البشرة الداكنة الذين عاصروا أسؤء وأشد فتراتٍ عرفوها منذ أن وطأت قدميهم الدنيا يسعون فيها بأحقية مثل الأخرون دون تفرقة أو تعسفٍ لا فائدةً منه.
مغامرة مشحونة بومضات الماضي .. مراجعة فيلم Da 5 Bloods
صورٍ درامية وسيرٍ ذاتية ومغامراتٍ تحمل القدر النسبي من المغامرة والمرح، هذه هي الأنماط المختلفة التي ضمنت العديد من النجاحات علي الصعيد النقدي والجماهيري، لدرجة أنه بات لها تمثيلاً مكثفاً في الأوسكار علي مدار السنوات القليلة الماضية، وصمن لها أيضاً عدم الخروج بخلو الوفاض دون حمل التمثال الذهبي الذي يعد أهم جائزة في صناعة السينما ككل.
مراجعة فيلم Judas and the Black Messiah
في 2021، يستقبل عشاق ومحبي تلك النوعية من الأفلام إصداراً جديداً يتبع شركة “وارنر بروس” مستوحي من أحداثٍ حقيقية فترة الستينات وبالتحديد في ولاية “شيكاغو”، حينما لاحت بوادر ثورةٍ شعبية من أجل إسترجاع حقوقٍ مدنية مشروعة تسلبها أيديولوجيات وسياسات العنصرية دون وجهٍ حق ،ولا تشجع علي النهوض بالمجتمع حيث يكون متكافئاً لا يتم التمييز فيه بين الناس على أساس العرق أو أية إعتباراتٍ أخري.
افضل افلام ومسلسلات HBO MAX 2021 – القائمة الأفضل هذا العام
سيناريو محكم درامياً وثري علي مستوي المحتوي القصصي يقدمه المخرج الشاب “شاكا كينج” في ثاني تجاربه الروائية الطويلة ،حيث يتعرض فيه لفصلٍ جديد من فصول الصراع الأمريكي الطويل بين طائفتين الدولة الذي إمتد لفتراتٍ طويلة، وحدث فيه الكثير والكثير مما يجعله مادةً مناسبة للرواية السينمائية تُقدم بمجهوداتٍ مبذولة بتفاني شديد علي مائدة المشاهد وهو في منزله، نتيجة ما تمر به السينما من أزماتٍ تسببت في إغلاقها، وتذكر البعض بتاريخ أسلافهم الذي حاولوا المقاومة بكل السبل المتاحة لهم.
قصة فيلم Judas and the Black Messiah
يسلط فيلم Judas and the Black Messiah الضوء علي “فريد هامبتون” أحد قادة حزب “الفهود السوداء” أو “Black Panther Party” وبالتحديد فرع “إلينوي” ومجهوداته الشاقة في حل النزاع الداخلي في “أمريكا” والسعي من أجل التغيير الاجتماعي والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، في الوقت الذي يتم تجنيد المجرم الشاب “وليام أونيل” من قبل ال”FBI” كي يحاول الإندساس وسط الحزب، وتبليغ السلطات الفيدرالية بكافة المعلومات التي تدور علي ألسنة “فريد هامبتون” ومعاونيه.ما يميز سيناريو فيلم Judas and the Black Messiah هو الإيقاع المتصاعد منذ البداية وحتى الوصول للمنعطف الأخير من الحكاية، وجاء ذلك نتيجة إعتماد التفاصيل الهامة من القصة الحقيقية بما يؤرخ رحلة الشخصيات سواءاً في المسعي الثوري الذي يخص شخصية “فريد هامبتون”،أو في تعايش شخصية “أونيل” وسط رجالات الحزب كأنه منهم والضغوكان الكثيرة التي يتعرض لها سواء من الفيدراليين أو في المواقف العصيبة الآخر التي تواجهه وقتما يصيب “هامبتون” ورفاقه عيارات العنف الموجهة نحوهم.ولكن هناك نقطتين رئيسيتين هما بمثابة العلامات الفاصلة في النجاح الذي حققه فيلم Judas and the Black Messiah، وهما أولاً “غياب الدراما المكثفة” التي تقدم لمحاتٍ عن معاناة ذوي البشرة السمراء كي يتأثر بها المشاهد ويستسلم كليتاً لدموعه تنسال علي خديه مما يراه، لأن ذلك بات كليشيهاً إعتاده الجميع في الكثير من الأعمال وبات نهجاً مكرراً فرغ البعض من التردد علي متابعته.وثانياً وهي مرتبطة نوعاً ما بما ذكر سلفاً، وهي الحيادية في طرح الفكرة دون إبداء الإنحياز لطرفٍ علي حساب الاخر كما يُتوقع في الكثير من الأعمال من هذا الشكل، هو ببساطة سيناريو يسطر مشاهده معتمداً علي وعي صناعه بالمادة الأصلية وسرد تفاصيلها كما هو معروفٍ منها دون أن تكون الصياغة وثائقية بطبيعة الحال، بل سينمائية تلتزم بالمعايير المعروفة في الغابة والإخراج وخلافهم.بالرغم من ذلك هناك عيباً وحيداً للسيناريو ،ورغم خلو الفيلم من أي عيوبٍ آخر إلا أنها مشكلة كان ممكن تلافيها والتركيز عليها في ظل الحالة المثالية للأحداث وترابطها مع بعضها البعض، ألا وهي التعمق بكثرة في شخصية “أونيل” وإستكشاف دوافعه خصوصاُ مع إختلاطه بجماعة “الفهود السوداء” وتعرضه لعدة مواقف عصيبة كادت أن تعجل بتغيراتٍ عدة بعقلية الشخصية بمرور الوقت، ولكن في النهاية، تمكن السيناريو من الغدو عصباً رئيساً لإرتباط المشاهد مع القصة ومعرفة ما كان يدور في تلك الفترة الظلماء من تاريخ “أمريكا” القديم.يحسب للمخرج “شاكا كينج” تسخير عدسات الكاميرا بإدراكٍ كبير لما يجب إتخاذه من كادراتٍ تتناسب مع طبيعة المشهد الذي سيدور علي الشاشة، بدايةً من لقطات ال”Close ups” القريبة التي سلطت بؤرتها علي “فريد هامبتون” أثناء إلقائه للخطابات الثورية وسط حشود الناس، وأيضاً في مشاهد الإشتباك عن طريق عدم اللجوء للمزيد من ال”Shaky Camera” كي يعرف المشاهد طريقه للحدث ويتفاعل معه، بالإضافة للمونتاج الجيد في تركيب المشاهد وترتيبها بحسب وقت حدوثها فعلياً، وتصميم الأزياء والإنتاج الذي يناسب طبيعة الزمن الذي يدور فيه الفيلم.وكما تميز “شاكا كينج” علي المستوي التقني، فهناك ثناءٌ أيضاً علي إختياراته المناسبة لفريق التمثيل، “دانيال كالويا” الموهبة الشابة الذي صعد إلي سلم المجد بسرعة الصاروخ بترشحه للأوسكار لأول مرة عن فيلم “Get Out” ها هو ينوي العودة إلي دائرة الجوائز من جديد بأداء متفجر علي المستوي الإنفعالي وثوريٍ في إلقاء الحوار ينجح فيه في تطبيق “الميثود أكتينج” أو تقمص الشخصية المعطاة له كما هي مكتوبة ويعني هنا “فريد هامبتون” بكل صفاته وطباعه المعروفة عنه.يشاركه أيضاً للمرة الثانية بعد “Get Out” النجم “لاكيث ستاينفيلد” الذي تحمل مهمة إضفاء الحس الدرامي البسيط المنوطة به شخصيته خصوصاُ في النصف الثاني من الفيلم، وتمكن من تقديمه بإمتياز بالرغم من عيب السيناريو الذي تم ذكره سلفاً، والأهم من ذلك أنه خلق نوعاً من التوازن هو الأخر علي المستوي التعبيرات بين كونه مندساً في الأساس وسط حزب “فريد هامبتون” يتجسس عليهم، ويتفاعل معهم كما لو هو منهم ويؤمن بقضيتهم وينفذ تعليماتهم وأوامرهم، فدور “وليام أونيل” يعتبر نقلة نوعية في مسيرة “ستاينفيلد” الذي باتت عليه الأنظار من قبل الكثيرين من صناع الأفلام في الفترة القليلة الماضية.ختاماً، يعدل فيلم Judas and the Black Messiah مسار عام 2021 السينمائي بعد إخفاقاتٍ في بدايته، وبإختيارٍ موفق من قبل المخرج “شاكا كينج” للموضوع الذي يريد تناوله ويقدم به مشروعه الإخراجي الثاني بعدما قدم عام 2013 فيلماً يدعي “Newlyweeds”، ويرثي بدوره صورةً سينمائية من وحي ما مضي من تاريخٍ الإستعباد الأسود في “أمريكا” وقتها.