مراجعات

مراجعة فيلم ٦٧٨ … الجانب النسائي بكل اتجاهاته النفسية

بوستر فيلم ٦٧٨

التعرض للواقع والمجتمع بشكل شخصي ومباشر يولد لدى المرء العلم الحقيقى بالتجارب القاسية والخفية وهذا ما ظهر في فيلم ٦٧٨  لأن الظاهر منها معلوم ومدروس للعامة، بينما للتوغل فى الفهم والإدراك وتقبل الصورة والرؤى فيتطلب منك أمرين أولهما التنور لتتفهم وجود حيوات أخرى لم تطالعها بعد ثانيهما هو أنك وبالفعل قد مررت بهذه الحلقات اللامتناهية الأحداث حينها يكون استيعابك للموقف جسديا كاملا بمعنى أن حواسك جميعها تستجيب لاشعوريا لكل تفصيلة تمر أمامك.

سبب التطرق لتلك المقدمة هو إجابة شافية بأن فيلم ٦٧٨ هو فيلم يستهدف النصف المُكمل للمجتمع الجانب النسائي بكل اتجاهاته النفسية والشعورية الخفية للبعض.
بشرى من فيلم 678

مراجعة فيلم ٦٧٨ 

نجح المخرج والمؤلف الشاب ببراعة ابهرتني كمشاهد مصرى عربى صدأت رغبته فى متابعة العروض السينمائية المنتشرة بالغرض التجارى والأفلام المتربعة على حساب الذوق العام والمعاني الرفيعة ، فقد أخل هذا النوع من الرؤى تلك الصورة التى كانت منتشرة حينها حيث تاريخ عرض الفيلم عام ٢٠١٠.

العبقرية دائما فى العمل الفنى هو استباقية الحدث وتنبؤ الصفات ودراسة الحالة المجتمعية جيدا بل الوقوف على تقديم الحلول أيضا ، بمنتهى العبقرية الفكرية قدم دياب هذا النوع التبصيري الإستباقى الفذ بنظري.. دون النظر حينها لنسب التربح والتجارة تعرض الفيلم للهجوم البشع من منظمات مصرية مجتمعية اتهمته بنشر العنف والفساد.. وهذا ما عرضه المؤلف بنفسه داخل الفيلم هو التشدق بالاتهامات والإنتهاكات الباطلة من أفراد يعيشون معا بنفس نسيج المجتمع الواحد ولكنهم فى عالم من الغياب العقلى فكما أشرت مسبقا يحتاج الأمر إما معايشتك الحقيقية لنفس الألم او قدرتك العقلية ودرجة تنورك للتفهم والاستيعاب.

باسم سمرة مصاب 678

نحن أمام ثلاث سيدات في فيلم ٦٧٨ يعشن بالمجتمع المصري كباقى ذواتهن من المجتمع اعتمد فى انتقاء كل منهم بمختلف الطبقات ومختلف الثقافات والوسط ، ولكنهن يجتمعن تحت حادث واحد تتعرض له الفتيات والسيدات يوميا بلا مبالغة ولا ادعاء يتعرضن جميعهن للتحرش إما التطاول الجسدى واللفظى.

الفكرة الرئيسية التى تدور حولها أحداث فيلم ٦٧٨ بدون أيضا أى مبالغة في الوصف أو التمادى فى اكساب التعاطف هو أن الجميع يطالهن الأذى دون الخضوع لأي معايير.

استباحة الرجل المصرى لجسد فتاة لم يتوقف الأمر على مرحلة عمرية أو ثقافية أو قدرات مالية أو حتى سلامتهم العقلية… الكل متهم .. لم تسلم منهن واحدة م الأذى.

باسم سمرة وبشرى 678

الرؤية الاستباقية لدياب وإن دلت تدل على مدى تعمقه ودراسته الجيدة للمجتمع وثقافته الرفيعة المستوى هو ما تطرق إليه من وجهات نظر المؤيدين والمعارضين والمُهللين وأصحاب الصمت المطبق هو مايحدث الآن بنفس الصورة فى بعض الأحداث المجتمعية المُثارة حاليا بخصوص قضايا التحرش.. ولكنه حسم الجدل بشكل منطقى دون المحاباة ولا التجرد من العقلانية والفكر الموزون.

البعض قد يتهم فيلم ٦٧٨ بأنه مهاجم شرس للرجل المصرى أو أنه مساند للمرأه فقط ردا ع ذلك هو أن من واجب السينما الواقعية التى لا تهدر طاقتها فى سبيل البذخ النظرى والتربح المؤقت تقوم بعرض النماذج الأكثر ضرر وتضرر والتعامل مع الإحصائيات المجتمعية المتاحة سنجد أن اغلبية النماذج الظاهرة بالعمل موجودة وبكثرة…والتى بالضرورة تحث الفئة المحترمة من اصحاب المجال على عرضها ومناقشتها دون خوف أو خجل من إظهار الحقيقة.

اعلان فيلم 678 

عرض ثلاث نماذج ذكورية في فيلم ٦٧٨ بتفاصيلهم المعقدة وأيضا الخفيه أولهم وهو زوج “فايزة” الشخص المتهالك نفسيا من طاحونة العمل والبحث عن المادة فلا ينعم قلبه بتسرب نوع من الشعور إلى إدراكه العبء النفسي والضغط الذي يتعامل معه لسد حاجة منزله وأولاده حتى أنه لا يستطيع الترفيه لذاته والجلوس بأحد المقاهى ليوفر ما يستطيع توفيره للبقاء فى حالة من الستر فقط والإكفاء اليومى

فمن أين يعلم هذا المسكين المتجول ليلا نهار فى عمل صباحي وآخر مسائي عن المشاعر… نجد فايزة والتى تعمل موظفه بالشهر العقارى عمل ليس اختياريا بل مجبرة للتواجد يوميا ولسد باقى احتياجات المنزل والحياة دون ايضا الشعور بكونها انسانه لها حق الترفيه والحياة اضافة لذلك الضغط الهائل تتعرض للتحرش والمضايقات اليومية.. فتضطر إلى ادخار جزء كبير من راتبها للتوجه لعملها بسيارة أجرة حتى تبتعد عن التحرش والعنف النفسى والجسدى فتأتى جملة زوجها الشهيرة

 بنت مين إنتى فى مصر عشان تركبى تاكسى ماتركبى اتوبيس زى بقية الخلق

أيضا حالة من القهر النفسى بالخارج وبالعمل ومشقته وبالمنزل ومن شريك حياتها فخرجت لنا صورة فايزة المنتقمة المجبورة على أمرها المشحونة بكم من الأسى والغضب والكبت النفسى وشحنات من الغضب والكره اوصلتها للتعامل الحاد والمؤذى لكل من يتعرض لها بأذى هى نتاج حالة نفسية معقدة ومريبة ظهرت فى ملامحها وتلك النظرات المنكسرة والاكتئاب والانعزال النفسي حتى عن زوجها فلا هو يعلم ماتمر به تلك المسكينة وإن علم سيضطر للخضوع لذلك الواقع لأن لا مجال للرفاهية ولا مجال للإختيار فبدلا أن تجد تلك المرأة الدعم النفسى وجدت من يتصدر لها ويعاتبها لعدم توفيرها البيئة والجو الأسرى السعيد المبهج وتلبية رغبات كلا من زوجها وأولادها والمجتمع.


بشرى 678

التوجه الأكبر والتأمل الأكبر كان من نصيب شخصية فايزة لأنها تمثل شريحة عريضة من المجتمع وبسلاسة شديدة تعرض فيلم ٦٧٨ لباقي الأنواع من النساء المتواجدة بالمجتمع فكسر حاجز الصمت عن تلك القضايا الشائكة ولم يترك مدخلا واحد لم يتحدث عنه أو يذكره بالتفصيل الممل والدقيق لجميع الأفراد من متحرشين ورجال القانون والشرطة والأهل والتواجد الفعلي حينها لقوانين التحرش فلم تكن هناك مواد صريحة تنص على جريمة التحرش ووضع قانون رادع للقائم بمثل الأفعال وتم صياغة قانون يدين المتحرش بعد الفيلم نظرا لاستشراء حالات التحرش فى المجتمع المصرى.

اختيار الكاست التمثيلي في فيلم ٦٧٨  كان موفق جدا ومناسب لكل شخصية ، بداية من نيللى كريم وبشرى إلى المبدع القدير ماجد الكدواني ، السيناريو تم كتابته بشكل احترافى تابع متأصل من البيئة المصرية يتميز بطابع الأصالة والانتماء وهذا سر نجاح العمل والخط الدرامي مقبول يميل للواقع دون مبالغة اختيار متناسق للملابس والأزياء فيما يتناسب مع كل طبقة وكل تفصيلة تخص الشخصيات.

بالنهاية أوضح مؤلف فيلم ٦٧٨ أن الرادع الأول والحقيقى هو تكاتف الجميع لمصلحة المجتمع وعدم التخاذل او تجاهل هذه القضايا فمن تتعرض للتحرش لا ذنب لها فى استذئاب اشباه الرجال فى النهاية التكاتف وتوحيد الرؤى وعدم إلقاء الأحكام المغلظة الغير واعية على أى من الأطراف التغيير الثقافى والفكرى لنمطية المجتمع وافكاره أهم الحلول المطروحة بالفيلم من أحد أجمل و أهم الأفلام برأى تستحق المشاهدة والتقدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *