ما هو أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما تسمع اسم فيلم سواح ؟ هل هي الأغنية الشهيرة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ (سواح… وأنا ماشي ليالي،سواح ولا داري بحالي..) ، أم هي مجرد الحالة التي توحي بها الكلمة بالغربة وربما التيه؟
أو لحسن الحظ عندما يجتمع الأمران في غنوة وحالة هي المحرك الأساسي لـ فيلم سواح الذي نستعرضه.
في هذه الأيام التي نعيشها تلقي قضية العنصرية بظلالها على كل شيء،وتطل العنصرية بوجهها القبيح وتأثيرها الأقبح لتذكرنا انها لم تنتهي بعد، بل وربما لن تنتهي أبداً في أي وقت قريب..
فنحن البشر لا نستطيع بسهولة أن نتقبل من هو مختلف عنّا، فمعنى أن تكون مختلفاّ إذن فأنت عدو حتى إشعار آخر، لا يهم إن كان الاختلاف في اللون أو الدين أو الجنس،أو حتي الهيئة واللغة، بل وربما حتى في الآراء والأفكار، وتناسينا أننا لم نخلق أبداً نسخاً من بعضنا لبعض ، وأنه لو كنّا كذلك لاختفت أوجه الحياة ولصار الملل والتكرار سيّدا كل شيء.
مراجعة فيلم سواح
يتناول فيلم سواح تلك الفكرة بشكل مبسّط للغاية لكنه بالطبع مؤثر،حيث نبدأ قصتنا مع (سمير) الشاب المصري الذي يهوى موسيقى الدي جي ويرى أنه يمتلك الموهبة للاشتراك في مسابقة عالمية مع الأسماء الأشهر في هذا المجال، لتكون لحظة إعلان تأهله لتلك المسابقة العالمية في بروكسل هي في حد ذاتها لحظة اندلاع شرارة الحلم لدي المصريين الذين انطلقوا يهتفون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
وكالعادة فإن طريق الحلم لم يكن يوماً من السهولة بمكان، يواجه سمير العديد من العقبات التي تبدأ أولاً بقضائه ليلة إعلانه الفائز الذي سيمثل مصر في المسابقة العالمية في قسم الشرطة،ثم يخرج ليلاقي والده الذي يستقبله بكلماته اللاذعة ، فهو لا يستطيع أن يستوعب فكرة أن يترك سمير العمل بالمؤهل العلمي المرموق مجتمعياً الذي حصل عليه ليعمل بالموسيقى ، أو يسافر إلي بروكسل للإشتراك في مسابقة لعازفي الدي جي على مستوى العالم.
وعلى الرغم من نقد الأب المستمر لابنه، نكتشف أن الأب بدوره يهوى الموسيقى، وربما ورث الابن هذا الحب والهوى من أبيه، لكن الأب استسلم في وقت ما وآثر الابتعاد بينما يصر سمير أن يحلم وأن يكون شغفه هو عمله وحياته.
يقرر سمير أن يلاحق حلمه مهما كلفه الأمر، فيترك ما أراد أن يحدثه الحالمون في مصر من تغيير ليسافر هو و يحقق حلمه الشخصي في بروكسل، ولم يأخذ في الحسبان أن الرحلة التي اعتقدها آمنة ستكون مليئة بالمصاعب والمخاطر التي تصل إلى أن تجعل حياته على المحك،فنحن على كوكب لا يسمح لك فيه أن تكون مختلفاً، وفي ظل الكراهية المنتشرة الغير مبررة شرقاً و غرباً، طالما لا تشبه إلا نفسك فعليك تحمل النتائج.
تدور أحداث فيلم سواح في إطار شيّق رشيق الإيقاع وتنتقل الكاميرا بمرونة وانسيابية بين الأحداث المتواترة في مصر والمآزق المتلاحقة التي يتعرض لها سمير في رحلته الشاقة والشيقة لتحقيق حلمه ، وحركات الكاميرا الخاطفة لا تشعرك بالملل للحظة، فتظل عالقاً بالشاشة طوال الوقت لتعرف هل تنتصر إرادة الحلم على عقبات الواقع أم لا.
وبالطبع لا يخلو فيلم سواح من جرعة لا بأس بها من كوميديا الموقف التي أضفت عليه طابعاً لطيفاً محبباً إلي القلب، فبرغم التوتر والجو المشحون بالمشاعر خلال الرحلة هناك أيضاً أيضاً العديد من الابتسامات والضحكات..
أما على جانب التمثيل فقد أجاد جميع الممثلين أدوارهم خاصة : إيريك كابونجو الذي قام بدور دانيال، نيلتون مارتينز الذي قام بدور الشرطي ميجيل ، وكان لمحمود الليثي وسارة عبد الرحمن حضوراً لطيفاً للغاية و أعتقد أنه لو كانت مدة الفيلم أطول ربما كان هناك مشاهد أكثر ل الليثي الذي يضفي حضوره بهجة محببة، أما كريم قاسم بطل العمل فقد كان متوهجاً، ربما لأن هذا الفيلم هو خطوة في طريق تحقيق أحلامه تماماً كشخصية سمير التي قام بتجسيدها ، وبالطبع هو يتطور فنياً بشكل مستمر وكان اختياره للدور بالتأكيد موفقاً للغاية.
في النهاية فإن فيلم سواح من الأعمال التي تستحق المشاهدة،وهو يعرض في مصر حصرياً علي منصة نتفليكس، ربما اذا شاهدنا المزيد من الأعمال المشابهة قد نصل إلي إجابة السؤال الذي يتردد في أذهاننا طوال الوقت : (لماذا لا يضع كل منا نفسه مكان الآخر الذي لا يتقبله بدلاً من الحكم المسبق عليه؟)