قصة فيلم الغول :
“العدالة ليها رجلين إتنين ، إنها تنصف المظلوم وتعاقب الظالم ، إنتم عايزين عدالة برجل واحدة بس ، فهمى الكاشف عايز يفرض القانون بتاعه ، قانون ساكسونيا ، عايز يعمل ناس من دهب وناس من طين ، الأغنياء ليهم قيمة والفقراء مالهومش” .
فيلم الغول لـ عادل امام (1983) ، سيناريو وحوار وحيد حامد ، إخراج سمير سيف ، بطولة : عادل إمام ، فريد شوقى ، صلاح السعدنى ، نيللى ، حاتم ذوالفقار ، أسامة عباس .
مراجعة فيلم الغول
يعتبر فيلم الغول هو أول دور بطولة جاد يقدمه عادل إمام ، حيث كان إسمه ـ قبل هذا الفيلم ـ مرتبطا دائما بالأدوار الكوميدية فقط ، لذلك كان هذا الفيلم مفاجأة للجمهور بكل فئاته ، فاجأهم عادل إمام بفيلم جاد وحزين أيضاً يناقش قضية إجتماعية سياسية ، حيث يتحدث عن مجتمع الإنفتاح وسلبياته .
لقد أدى عادل إمام واحدا من أقوى أدواره فى السينما ، فقد كان الدور مليئا بالمواقف المختلفة والمشاعر المتضاربة ، وجاء تجسيده لشخصية الصحفى موفقا إلى حد كبير ، فأعطى للدور مجهودا كبيرا ، حتى إنه جعل المشاهد يتعاطف معه بدرجة كبيرة ، ويقبل حله الفردى .
لجنة من الرقابة إعتقدت أن هذا الفيلم يعد مظاهرة سياسية مضادة للنظام القائم في البلاد ومعاداة لنظام الحكم ومؤسساته القضائية ، وإتهام بعض أجهزة الدولة بالتواطؤ مع الرأسمالية ضد مصالح الشعب ، ويشجع بل يدعو إلى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الأموال ، كما أكدت اللجنة أن هذه المعانى من شأنها التأثير بطريقة سيئة على عقول الشباب وتزعزع ثقتها فى القضاء وغيره من أجهزة الدولة ، كما تضمن المصنف بعض المشاهد والأحداث التى تبدو وكأنها نوع من المتاجرة ببعض الأحداث المحلية المتعاقبة ، والجارية على النحو الذى يصبغه بطابع سياسى على جانب كبير من الخطورة .
وبناء على هذا التقرير الرقابى منع عرض الفيلم داخل مصر وخارجها ، وعندما عرض فى قاعة النيل عرضاً خاصاً حضره عدد كبير من الكتاب والنقاد والسينمائيين ، كان رأى الجميع أن الرقابة قد إفترضت إسقاطات بعيدة كل البعد عما جاء في الفيلم .
وأثيرت هذه القضية الفنية فى الصحافة وهوجمت لجنة الرقابة من قبل النقاد والسينمائيين حتى إستدعت القضية أن يكون الحكم فيها بيد وزير الثقافة شخصياً ، الذى أصدر قراراً فيما بعد بعدم منع الفيلم وصرح بعرضه جماهيرياً .
الغول يعطى تصورا لبعض جوانب الفساد الإقتصادى والإجتماعي وسيطرة المادة التى يمكن بواسطتها شراء كل شئ فى ظل سياسات الإنفتاح الإقتصادى والتى كانت بدورها هى جوهر النظام الرأسمالى ، إلا عندما يستيقظ الضمير الإنسانى رافضاً هذه المساومة .
تدور أحداث الفيلم حول قضية قتل متعمد لأحد الموسيقيين وإصابة راقصة بحادث سيارة ، والفاعل هو إبن أحد كبار رجال الأعمال الإنفتاحيين فهمى الكاشف “فريد شوقى” ، الذى يحاول بكل طرقه وأساليبه الملتوية أن يسقط التهمة عن إبنه “حاتم ذوالفقار” لكى تحفظ القضية ضد مجهول ، إلا أن الصحفى عادل عيسى “عادل إمام” الذى صادف أن يكون شاهداً للحادث ، والذى يصر على أن تأخذ القضية مجراها الطبيعى أمام القضاء ، لذلك يقرر الوقوف ضد محاولات الإنفتاحى الكبير والتصدى له ، لكنه لا يستطيع الصمود أمام هذا الغول وتياره الجارف بمفرده ، فنراه يصاب باليأس والإحباط والشعور بعدم جدوى الحياة بعد براءة القاتل إبن الإنفتاحى من تهمة القتل ، فيقرر تنفيذ حكم الإعدام فى هذا الغول نيابة عن المجتمع ، وينتهى الفيلم بسقوط الغول صريعاً بضربة من ساطور الصحفى .
السيناريست العبقرى وحيد حامد تميز كالعادة فى كتابة سيناريو قوى ودسم ملئ بالكثير من الجمل الحوارية العظيمة ، معبرا بصدق عن مساوئ مجتمع الإنفتاح وفساد رجاله ، وتأثير ذلك على العلاقات الإجتماعية والأخلاقية .
المخرج الكبير سمير سيف نجح بالفعل فى تقديم عمل مثير وجرىء ، أحداثه متصاعدة درامياً حتى تصل إلى ذروتها فى النهاية ، كل ذلك كان بشكل مقنع وغير مفتعل .
ربما لا يتفق الكثيرون مع نهاية الفيلم ، والتى تمثل حلاً فردياً لقضية إجتماعية عامة معقدة وخطيرة ، بينما من المفترض الدعوة إلى الحل الجماعى عن طريق توعية أفراد المجتمع .
وقد برر صناع الفيلم هذه النهاية عندما قدموا لنا فى لقطة عابرة مكتب الصحفى عادل عيسى فى بيته ، كما مرت الكاميرا عدة مرات على جدران بيته لنلاحظ بعض الصور والملصقات غير الطبيعية ، وهنا إيماءة واضحة على أن الصحفى ذو ميول تمردية بطولية .
مشهد قتل الغول كان ناجحا وجريئا جدا إلى حد كبير ، فبعد أن ضُرب الغول على رأسه سمعناه يصرخ (مش معقول ، مش معقول) وهو يتراجع إلى الخلف متأثراً بالضربة التى قضت عليه ، ثم الفوضى التى أعقبت ذلك ، وأعتقد أن هذا المشهد الدموى كان إسقاطا على حادث المنصة الشهير وقتل الرئيس السادات .
مشهد النهاية كان يتضمن حوارا دار بين الصحفى “عادل إمام” وصديقه وكيل النيابة “صلاح السعدنى” ، عندما سأله وكيل النيابة : ليه قتلت الكاشف يا عادل ؟ ، ليرد الصحفى : عايز أخلص الناس من قانون ساكسونيا يا حسين ، ليرد وكيل النيابة : بس أنت كده رجعتلهم قانون الغابة يا صديقى .
بقلم : اسلام سرحان
Comments are closed.