بقلم : مريم منصور
برغم شهرته الضاربة كواحد من “الثلاثي خان” أهم من مثل في بوليوود في عصرنا هذا إلا أن عامر خان اعتاد ان ينفرد بنفسه في ألقاب كـ “منشد الكمال” و”ملك التميز” صانعًا لنفسه أسمًا عالميًا لا يقتصر على الجمهور الهندي فحسب، بل على كل محب للسينما في العالم.
وحتى أولئك الذين يتحفظون على السينما الهندية لاعتقاد قديم بأنها سينما المبالغة والأفلام اللامنطقية لا يستطيعون أمام أفلامه إلا الإقرار بروعة تمثيله والأدوار التي يؤديها، واختياره الدقيق للقصص التي يمثلها. بل ونستطيع القول أن عامر مهّد بالسمعة الحسنة التي خلقها لنفسه الطريق أمام عدد كبير من الممثلين البوليوديين الموهوبين لإبراز موهبتهم للعالم.
اقرأ ايضاً اقوى افلام عامر خان التي لا يجب أن تفوتها
وقد تجد نفسك عزيزي القارئ تتساءل..
متى بدأ عامر خان كل هذا؟
وسيكون هذا سؤالًا منقطيًا. فبرغم تنوع أدواره وقدرته الفريدة على تكييف جسمه وشكله في أي دور يؤديه كمثل دوره في فيلمه الأشهر والأجمل Idiots” 3″ حينما أدى شخصية طالب في السنة الأولى من كلية الهندسة. فعمره حسب الدور من المفترض أن يكون في حدود (18 -20) عام. والذي سيشاهد الفيلم لن يعلق على شكل عامر لأنه سيبدو طبيعيًا. ولكن المفاجأة أن عمره حينما كان يمثل هذا الفيلم كان 44 سنة! أي ما يزيد عن الضعف من العمر الذي يؤديه.
برغم هذا، ولكننا نكاد لا نجد بين أفلامه الشهيرة فيلمًا مؤدى في عمر صغير فعلًا وليس مجرد قدرته على التكيف. فهل يا ترى بدأ عامر مشواره على كبر؟!
على العكس تمامًا.
إذ لم تكن من المهتمين الحقيقين بهذا الرجل فعلى الأرجح أنت لا تعلم أنه بدأ مشواره الفنى حينما كان بالتاسعة من عمره. ليس بفيلم واحد، ليس بعدة أعمال وانقطع بعدها. في الحقيقة؛ لم يتوقف عامر خان عن التمثيل منذ عمر التاسعة وحتى وقتنا هذا. مسيرته الفنية تقدر بما يقارب السبعين فيلم. منهم حوالي 15 هي التي يشير لها الجمهور باعتبارها دليل على مكانته كفنان حقيقي، إذًا.. ماذا عن البقيه؟
عامر خان الطفل المدلل لعائلة غنية:
قد يفاجئك أن هذا الرجل المثابر الذي تراه فيلمًا بعد فيلم يجاهد للتطوير والتحسين من أداءه لم يكن ذلك الفتى التي سلك الطرق الصعبه وعانى المشاق ليدخل في صناعة ليس من السهل الإنضمام إليها كصناعة السينما. لم يعاني عامر من أي ذلك. فلقد ولد في عائلة فنية لديها الاستعداد الكامل لاستقباله.
أبوه هو المنتج وكاتب السيناريو طاهر حسين خان. وعمه هو مخرج الثمانينات الشهير “محمد ناصر حسين خان” صنع عامر بواسطتهم ظهوره الأول في فيلم “Yaadon Ki Baaraat” من إخراج عمه في عام 1973 حينما أدى دور أحد الشخصيات في طفولتها.
ثم توالت بعدها أدواره الصغيرة كطفل أو مراهق في أفلام مختلفه حتى وأخيرًا صنع بطولته مع فيلم “Qayamat Se Qayamat Tak” في بدايات عشريناته والذي كان من إخراج ابن عمه منصور وانتاج عمه ناصر بنفسه.
لاشك أن الفيلم نجح محليًا بصورة واسعة. فالكاريزما التي جمعت عامر ووجهه الوسيم مع جوهي تشاولا بطلة الفيلم والتي كانت قد توجت كملكة جمال الهند في وقت قريب، إلى جانب القصة الرومانسية والتي هي محاكاة هنديه للرواية الشهيرة “روميو وجوليت” كل هذا إلى مع الانتاج السخي كان له الفضل في نجاح الفيلم وظهور نجم جديد يعرفه الجمهور تحت أسم “عامر خان”
اقرأ ايضاً : اجمل افلام هندية ستشاهدها في حياتك
الأزمة: واقع في فخ التكرارية
بعد قايمت سي قايمت تاك وتعرف الناس وصناع السينما على عامر كـ “الفتى الجذاب خفيف الظل” بدأت الأدوار التي تعرض عليه تسير كلها في نفس السياق. لم تكن أفلام سيئة برغم ذلك. ولكنها لم تكن أيضًا الأفلام التي نتوقع منها التعرف على نجم حقيقي مؤثر في سينما بلاده وجريء كفاية لمناقشة قضايا اجتماعية شائكة.
ونلاحظ على مدار هذه الأفلام أنه حتى وفي هذا الوقت حاول عامر خان جاهدًا ألا يؤدي نفس الدور بحذافيره. فكما نراه شابًا وسيمًا ورومانسيًا في أفلام عديدة. نراه أيضًا في ” Akele Hum Akele Tum” وهو الزوج المنفصل والاب الشاب الي يواجه مصاعب الحياة برفقة أبنه. وفي Hum Hain Rahi Pyar Ke”” وهو العم الي يحظى بابناء أخ أشقياء وأيامه برفقتهم. وفي ghulam”” في دور الفتى السيء الذي يطمح في تحسين نفسه. وحتى فيلم ” Earth” الذي كان قريبًا فيه جدًا من عامر خان الحالي ولكن للأسف لم يلقى نجاحًا تجاريًا مما أدرى لعودة عامر من بعده لنفس نمط الأفلام السابق.
هذه التنوعات البسيطة تؤكد لنا أن عامر ومنذ بداياته كان يطمح في الاختلاف. ولكن صورته النمطية في عيون الجماهير والطريقة التي هم معتادينه عليها لم تشجعه على أخذ خطوة التغيير الجذرية.
صُدفة بحتة، المأزق الذي غيّر كل الأمور للأفضل:
إذا سألت شخصًا ما الذي تتوقعه من ممثل لا يجد منتج يقبل بالعمل معه على القصة التي يريد بشدة تمثيلها بالتأكيد الإجابة لن تكون أمرًا سارًا. ولكن هذا بالضبط ما جرى مع عامر خان. يشاع أن بعض المشاكل العائلية أدت إلى امتناع أهله عن الانتاج له قبل هذا بعدة سنوات. ولكن حينما أتاه المخرج “أشوتوش جواريكر” بسيناريوا ألهم عامر وقرروا سويًا العمل عليه لم يجدوا من يتحمس من المنتجين لها بسبب فكرة الفيلم التي رأوا أنها لن تكون مشوقة للمشاهدة. إلى جانب ضخامة الانتاج لفيلم قد يكتب له – من وجهة نظرهم – الفشل الذريع.
وهنا كانت الشرارة الأولى ليتخذ أخيرًا خطوة التغيير وينشئ “عامر خان للإنتاج الفني” شركته الخاصة التي أنتج بها أول فيلم في مسيرته كـ “عامر خان الممثل” وليس “عامر خان الوسيم الجذاب” وهو فيلم لاجان: ذات مرة في الهند.
الرهان
في فيلم “Lagaan” والذي يعني أسمه في الهندية “الرهان” حتى تحسين عامر لقدراته التمثيلة لم يكن الشيء الوحيد الذي يراهن عليه، ولكن أمواله ايضًا. كانت تكلفه الفيلم الضخمة تجعل المخاطرة مخيفة فهذا هو الفيلم الهندي الأول الذي يتم الأستعانة فيه بهذا العدد من الممثليين البريطانين. كما أن بطلة الفيلم “جريسي سينج” التي توصلوا لها بعد محاورات عديدة كانت فتاة في العشرين من عمرها وليس لها أي خبرة سينمائية قبل لاجان.
ولكن بأخذ المخاطرة والتخلي عن الحذر قاد عامر هذه التجربة التي لم يكن يملك فكرة على الإطلاق أنه ستكون بدايته الأولى كفنان عالمي.
قصة حقيقة لحدث بطولي
تُبنى أحداث فيلم لاجان على قصة حقيقية حدثت في قرية هنديه صغيرة في تسعينيات القرن التاسع عشر. حيث كان الفلاحون الهنديون مجبرون على دفع ضرائب مرتفعة جدًا للحكومة البريطانية. ولكن هذه القرية على وجه الخصوص لا يصلها المطر منذ مدة، وبالتالي ليس لدى الفلاحين ما يزرعونه ويبيعونه ليدفعوا الضرائب المفروضة عليهم.
الكابتن أندرو راسل (بول بلاكثورن) والمسؤول عن جمع الضرائب من هذه القرية لا يهتم لموسم الجفاف ولا شكاوى الفلاحين ويستمر في طلب أن تدفع الضرائب في موعدها وإلا تضاعف على أهالي القرية. حتى تصل الأمور بأحد شباب القرية المندفعين والذي يدعى بوفان (عامر خان) بعقد مباراة كراكيت بين فريق الضباط بقيادة كابتن راسل أمام بوفان ومعه أهالي القرية.
فإن فاز القرويون تلغي الضرائب لهذا العام. أما إن خسروها فتتضاعف عليهم لثلاث أضعاف!
الأحداث الحماسية:
على الرغم من تصنيفه كـ فيلم رياضي. لكن ما يميز الفيلم فعلًا أنه استطاع أن يخلق الحدث الرياضي دون أن يغفل الحالة العاطفية للقصة التاريخية. فأنت لا تشعر وأنت تشاهد “لاجان” أنك مهتم بالحدث الرياضي: الفوز، والخسارة. فحسب. ولكنك تندمج مع هؤلاء القرويون ويرتفع مستوى الادرينالين لديك وتصبح مهتمًا فعلًا بمعرفة هل حقًا سيفلح هؤلاء القرويون ويخلصون أنفسهم من التعسف الواقع عليهم أم أنهم سيقعون ضحية لتعسف أمر منه؟؟!
عوامل نجاح عامر خان
بصوت الراوي الذي أداه النجم الشهير “أميتاب باتشان” وموسيقى الفيلم التي ألفها “أي. آر رحمان” واحد من أهم الموسيقيين في الهند. إلى جانب التناغم بين فريق التمثيل والموازنة بين قصة الحب إلى جانب قصة الفيلم الأساسية والعناية بمشاهد المباريات على المستوى التقني والتمثيلي. كل هذا إلى جانب التغيّر الواضح في أسلوب تمثيل عامر.. يخرج لنا الفيلم مختلف.
ومُستحق لأن يتم اعتباره واحد من أهم 25 فيلم رياضي في العالم. رِهان عامر في هذا الفيلم لم يفشل أبدًا. وأستطاع فعلًا أن يخرج لنا كـ بوفان ويقنعنا بتمثيل سلس وصادق انه ذلك الشاب الذي يحاول بكل قواه لكي يساعد قريته في أزمتها.
عامر خان والقضايا الإنسانية
من المعروف عن عامر خان اهتمامه بالقضايا الإنسانية ونصره للفكرة التي تؤمن بأن كل البشر يستحقون الاحترام تحت أي ظرف ومهما كانت أشكالهم وتوجهاتهم. في هذا الفيلم وعلى هامش فكرته الأصليه نجده هو والمخرج يصدران لنا هذا حينما قام بوفان بنهر أهل قريته حينما رفضوا أن ينضم أحد شباب القرية لفريقهم بسبب أنه معاق جسديًا معللين بأن دخوله في الفريق معهم سيجلب النحس والخسارة
لأن ذلك يتبع اعتقاد هندي قديم بأن الشخص المعاق في جسده في رتبة متدينة عن باقي الناس. لكن بوفان لم يهتم لهذا وأخبرهم أن مثل هذا الأفعال هي التي ستجلب عليهم الخسارة والشرور.
وأخيرًا: حفاوة مسحقة لفيلم عظيم
وحينما عُرض الفيلم لأول مرة في يونيو 2001، كان عامر خان يجرب لأول مرة هلعين بدلًا من هلع واحد. فهو الآن الممثل المرتبك من تجربة جديدة لا يعرف كيف سيتلقاها الجمهور. وهو أيضًا المنتج الذي لا يعرف مصير أمواله. ولكن جاء جزاء كل العمل الشاق متوجًا بأكثر مما كان يحلم به. فلقد استولى الفيلم على معظم جوائز “فيلم فير” وهي الجائزة الهندية التي تعادل الأوسكار. متوجًا بخمس جوائز فيه وحوالي 30 جائزة أخرى. كما يعد هذا الفيلم هو الثالث هنديًا الذي يترشح للأوسكار بشكل رسمي.
وبالطبع، لم يخذله الفيلم على مستوى شباك التذاكر. ولكن الأهم من ذلك أن الجمهور شجعه على خطوته الجريئة في التغيير وعبروا له عن استحسانهم. ومنذ حينها، أنت ترى عامر خان الذي تسمع حتى اليوم بلقبه “ملك التميز في السينما الهندية”