منذُ وأن بدأت صناعة السينما في مصر وشخصية ضابط الشرطة محورًا رئيسيًا للغالبية العُظمى من الأعمال فلا يخلو فيلم من سرينة شرطة ، قسم ، تعامل مباشر بين شخصية محورية وإحدى الرُتب ، إلّا أنَّ الاختلاف يكمن في طريقة تقديم الشخصية وتناولها .. هناك من صمّمها بالشكل التقليدي الذي عهدناه في عدد كبير من الأعمال السينمائية المصرية، وهناك من تجرّأ وتخطّى الحواجز وخرج لنا بشخصيات ذات ملامح واقعية جعلت المُشاهد يكّن التقدير للقائمين على تلك الأعمال التي تحترم عقليته.
في هذا المقال سوف أتناول أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت شخصية ضابط الشرطة في السينما محاولًا تقييمها من الناحية الفنية مع الحديث عن أفضل من جسّد الشخصية.
نجوم قدموا دور ضابط الشرطة
الكرنك – كمال الشناوي (1975)
– وهو الفيلم الذي يأتي في المرتبة 39 في قائمة أفضل مائة فيلم مصري .. الفيلم الذي أُثار جدلًا واسعًا بتطرقه لعهد الرئيس جمال عبدالناصر وتسليط الضوء على النظام الذي انتهجه النظام في التعامل مع الشباب المتمثل في الاستبداد والقمع الفكري لأي رأي مُعارض .. يمكننا رؤية ذلك في شخصية خالد صفوان وهو رجل الأمن المستبد الذي أشرف على تعذيب الشباب المُعارِض للحكم ، ورغم الجدل الذي أثاره الفيلم فقد حصل كمال الشناوي على إشادات من الجمهور لإبداعه في تجسيد دور مليء بالتحديات.
– قيل أن الفنان أحمد مظهر كان المرشح الأول لدور خالد صفوان ولكنه رفض تأدية الدور لأسباب سياسية ، ورُوي أن الراحل جميل راتب كان من المُقرر أن يقوم بالدور إلّا أن غرابة لكنته حالت دون ذلك وذهب الدور في نهاية المطاف إلى القنان كمال الشناوي .. فيلم الكرنك من تأليف نجيب محفوظ ، إخراج علي بدرخان.
احنا بتوع الاتوبيس – سعيد عبدالغني (1979)
– الفيلم مستوحى عن أحداث حقيقية نُشرت في كتاب “حوار خلف الأسوار” للكاتب جلال الدين الحمامصي ، وتدور أحداثه قبيل نكسة 1967 عن مشاجرة في أتوبيس لتتحول وجهته إلى الجحيم ويسقط بطلا العمل فريسة في يد ضابط الشرطة رمزي وليس أمامهما سوى ترديد جملة “ده احنا بتوع الأتوبيس ياخوانا”.
– أعتبر احنا بتوع الاتوبيس من أجمل ما قدّمت السينما المصرية لتوفُر كل عناصر النجاح في هذا العمل .. قصة مؤثرة صيغت في سيناريو فعّال ، تجسيد متميز لواقع مرير عاشته مصر وقتذاك ، أداء أكثر من رائع للراحل سعيد عبدالغني الذي ذُكر أنه كره الشخصية نظرًا لبعدها عن طبيعته ورغم ذلك توغّل إليها وتعمّق بها حتى استطاع أن يتحكم فيها مقدمًا شخصية الضابط رمزي الذي مارس التعذيب بمنتهى العنف مستهينًا بآدمية البشر.
المشبوه – فاروق الفيشاوي (1981)
– وهو أحد الأفلام التي تناولت ضابط الشرطة العادل الذي يجمع بين القسوة واللين ، يُطبّق روح القانون ويسامح في حقه ولكنه دائمًا ما يسعى إلى تطبيق العدالة وإحقاق الحق وهو ما نفذّه الفنان الراحل فاروق الفيشاوي على طريقة السهل الممتنع.
– في البداية اعتذر الفيشاوى عن دوره في الفيلم بسبب مشهد ضرب عادل إمام بالقلم وقال عنه “خفت على نفسي وقلت ازاي هبهدل بطل شعبي زي عادل إمام .. المُشاهِد مش هيتقبل ده” وبعد جلسات مع المخرج سمير سيف وافق على الدور.
البريء – محمود عبدالعزيز (1986)
– في كل مرة أشاهد بها الفيلم أشعر بالفخر أننا لدينا مثل تلك الأعمال العظيمة لما تحمله من صدق احترام للجمهور المتلقي .. كان ضابط الشرطة وجنود الأمن المركزي محور رائعة وحيد حامد وعاطف الطيب فقد تناولا قضية شائكة أثارت جدلًا واسعًا بين النقاد والجمهور استمر لما يقرُب من عشرين عامًا .. توغّل الفيلم في ثنايا تكوين قوات الشرطة مع توضيح خلفية كل شخصية واجتهد صناع العمل في التأكيد على مفهوم الحريات.
– أجاد الساحر محمود عبدالعزيز دور ضابط الشرطة من خلال شخصية توفيق شركس مدير المعتقل المريض النفسي الذي يتلذذ بالتعذيب ويفعل مع جنود الأمن المركزي والسُجناء ما لا يستطيع فعله مع زوجته فيظهر أمامها بشكلٍ متواضع ، وعلى الجانب الآخر يمتلك شخصية مغايرة تمامًا فهو الأب الحنون الذي يعشق ابنته ويحاول فعل كل شيء ممكن من أجل إسعادها .. أتقن عبدالعزيز دوره لدرجة تجعلني لا أستطيع تخيُل ممثل آخر غيره.
– وقع الفيلم في مواجهة الرقابة بداية من تشكيل لجنة ثلاثية مكون من وزراء الحربية والداخلية والثقافة وكان القرار النهائي تغيير النهاية لتقتصر على صرخة الجندي (أحمد زكي) ، وظلت النسخة الأصلية من الفيلم ممنوعة عن العرض حتى عُرض عام 2005 تكريمًا للإمبراطور الراحل.
احمد زكي ضابط الشرطة
زوجة رجل مهم – أحمد زكي (1988)
– احتل الفيلم المركز الثلاثين في قائمة أفضل مائة فيلم مصري ، يُعد نقلة فنية مهمة في حياة صانعيه ويعتبره البعض أفضل ما قدّم الإمبراطور أحمد زكي في تعاونه مع الراحل محمد خان .. قدّم الصناع عملًا ذي صبغة درامية مُعدّة باحترافية ، مزيجًا بين اللين والقسوة ، جنون العظمة تصنيفات رفيعة يمكننا اعتبارها أصعب من تصنيفات الخير والشر .. سلّط الفيلم الضوء على عدة قضايا شائكة حدثت في فترة الثمانينات أبرزها انتفاضة الخبز ، ولم يُعطِ الفيلم رأيًا صريحًا في تلك القضايا واختار الحياد وترك التقييم للجمهور.
– أنت ممثل ممتاز .. تلك الجملة التي قالها النجم الأمريكي روبرت دي نيرو بعد مشاهدته للفيلم في مهرجان موسكو تعبيرًا عن تقديره لأحمد زكي الذي وصف أداءَه بـ العبقري .. شخصية مثل شخصية هشام تحتاج لممثل محنك يجيد تأدية الأدوار المعقدة وهي المعايير التي انطبقت على أحمد زكي فهو الضابط القاسي المستغل لنفوذه أسوأ استغلال الذي يدهس جميع من يقف في طريقه دون النظر إلى دموعه.
هي فوضى – خالد صالح (2007)
– اللي ملوش خير في حاتم ملوش خير في مصر .. هي فوضى من الأفلام التي أشعر بالحيرة عند النظر إليها فعلى الرغم من امتلاك الفيلم لفكرة قوية وقضايا مهمة تستحق المناقشة إلّا أن طريقة العرض المباشرة والاستخدام المُفرط لمشاهد الإغراء كعنصر جذب وهو ما لم أجد له مبرر .. شخصية حاتم واحدة من أهم الشخصيات التي قُدمت في الألفية ، شخصية أمين الشرطة الذي يستغل نفوذه في تحقيق أهدافه الشخصية جاعلًا من الرشوة مصدرًا رئيسيًا لدخله في مقابل تسيير مصالح البشر .. اختيار الراحل خالد صالح للشخصية موفق جدًا لدرجة جعلتني أتغاضى عن عيوب الفيلم.
الجزيرة – خالد الصاوي (2007/2014)
– تمثل الفترة التي أُنتج فيها فيلم الجزيرة بداية الاهتمام بالجانب البدني وتصميم مشاهد الأكشن واعتمادهما كسلاح رئيسي لإنتاج عمل سينمائي ناجح ، وهي المشكلة التي مثّلت عائقًا للسينما المصرية وكان المخرج شريف عرفة أول من نجح في تصميم مشاهد أكشن بهذه الجودة.
– نعود لموضوعنا ومع شخصية ضابط الشرطة رشدي التي جسدها “خالد الصاوي” .. نجح الصاوي في تجسيد شخصية الضابط الفاسد الذي يتعاون مع منصور الحفني تاجر المخدرات والسلاح مقابل تسليم الإرهابيين المختبئين وهو ما يساهم في حصوله على ترقيات وأوسمة ومكافآت ، وعلى الرغم من اختلاف الأمر في الجزء الثاني من الفيلم وصبغ الفيلم صبغة سياسية فقد برهن الصاوي على موهبته وقدّم تجسيدًا رائعًا مصاحبًا لانفعالات مدروسة ومتوافقة بالتزامن مع تصاعد الأحداث.
ولاد العم – كريم عبد العزيز (2009)
– وهو واحد من الأعمال التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي وأثار الجدل منذ عرضه في دور العرض المصرية وفي عدد من دول العالم .. اجتهد صناع العمل في معالجة الأزمات السياسية والدينية بين مصر وإسرائيل بشكل واقعي مع بعض الاستعراض الغير منطقي على مستوى الأكشن وبالأخص في مشاهد المطاردات في إسرائيل!
– فيما يخّص كريم عبدالعزيز في دور ضابط الشرطة مصطفى فاتسم أداؤه بالجيد في مليء بالتحديات على مستوى الأكشن ، وعلى الرغم من ذلك فهي شخصية ليست بالجديدة على السينما المصرية فقد رأيناها مرارًا وتكرارًا خلال أفلام جاسوسية عدة فهي الشخصية الثابتة ذات الموقف الواحد والتي لا سبيل لتطويرها.
18 يوم – إياد نصار وباسم سمرة (2011)
– وهو الفيلم القصير الذي صدر عن مجموعة أفلام حملت اسم 18 يوم والتي كان محورها ثورة يناير 2011 .. قصة 19-19 – تأليف عباس أبو الحسن .
– يأخذنا مروان حامد في رحلة مريرة مدتها خمسة عشر دقيقة في جلسات تحقيق يترأسها أمين الشرطة باسم سمرة الذي يمارس التعذيب حتى يشعر بالألم في يديه ولا يقوى على المزيد ، وإياد نصار الضابط الذكي الذي يمزج بين القسوة واللين في التحقيق وكلاهما أدّى دوره كما هو مطلوب.
قط وفار – محمود حميدة (2015)
– يمثل الفيلم نقدًا سياسيًا ساخرًا لجأ مؤلف وحيد حامد إلى تصميم الشخصيات بشكل كارتوني بعيد عن الجدية ليكون محور الفيلم الصراع على جثة أم حمادة السيدة الجميلة ظاهرًا ولكن في الحقيقة مصر هي المقصودة، ويدور الصراع بين حمادة الذي يمثل الطبقة الشعبية المتوسطة وبين وزير الداخلية (محمود حميدة) والذي تربطه علاقة قرابة بالمنوفية.
– أعطت الكوميديا مساحة لنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية بشكل ساخر.. وكان التوازن والنضج حاضرين فيما يخص محمود حميدة في شخصية عباس القط واستطاع التجسيد بشكل جيد لم يخلُ من الطرافة في بعض الأحيان.