في بداية شرح فيلم The Lighthouse لابد ان نعلم ان للحقيقة ثمن .. للمعرفة ثمن .. أن تعرف هي أن تعاني .. وها قد دفع إفرايم وينسلو أم نقول توماس هاورد ثمن فضوله ومعرفته ألماً وعذاباً .. تأتي طيور النورس كل صباح تنهش كبده الذي يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقابه الأبدي .. مثل إيكاروس الذي اقترب من الشمس أكثر من اللازم فأذابت حرارتها الشمع في الأجنحة .. فسقط في البحر ومات غرقاً.
شرح فيلم The Lighthouse
سخر روبرت إيجرز الميثولوجيا الإغريقية بكل براعة في تقديم تحفة رعب نفسي غير مسبوقة .. غريبة ومرهقة للغاية ومليئة بالأفكار التي لم أكن أتوقع أن تقدم في فيلم من هذا النوع ولكنك كذلك لن تنالها بهذه السهولة ..
نطاق الفيلم محدود جداً حيث تدور الأحداث في مكان واحد علي جزيرة نائية حيث المنارة وكذلك الشخصيات .. تمثل شخصية توماس ويك التي يجسدها ويليام دافو إله الأنهار والمسطحات المائية بروتيوس خادم اله البحر بوسيدون وفي بعض الأساطير يُشار إليه بإنه ابنه الأكبر .. يتميز بروتيوس بقدرته علي تغيير هيئته فقد ظهر في عدة هيئات خلال الفيلم مثل حورية بحر وكائن بحري ذو أرجل أخطبوتية وبشري أعتقد أنه زميل هاورد الذي قتله وانتحل شخصيته ..
وذلك لأنه لا يستطيع تقبل ماضيه وعندما تحول بروتيوس إليه أثناء مشهد الشجار كان هاورد مصدوماً للغاية وابتعد عنه علي الفور، يمتلك بروتيوس أيضاً المعرفة حيث يعرف كل شيء الماضي والحاضر والمستقبل ولكنه لا يرغب في مشاركة هذه المعرفة كما ظهر في الفيلم من خلال منعه لهاورد من الإقتراب من المنارة.
أما شخصية توماس هاورد التي يجسدها روبرت باتينسون فتمثل بروميثيوس .. أحد حكماء التايتنز الخالدين الموالين لزيوس الذي أوكل إليه مهمة تشكيل البشر .. زيوس كان يريد كائنات عادية ضعيفة بدون قدرات خاصة ولكن بروميثيوس أصبح مولعاً بالبشر أثناء تشكيلهم مشفقاً علي ضعفهم .. فخدع زيوس وقام بسرقة هبة النار وأعطاها للبشر ليستفيدوا منها في بناء حضارتهم .. ونتيجة لذلك غضب زيوس وحكم عليه بالعقاب الأبدي .. يُسلسل في صخرة في جبل القوقاز ويأتي نسر كل صباح ينهش كبده الذي يعود لينمو من جديد في المساء (في اليونان القديمة كان يُعتقد أن الكبد هو مقر المشاعر الإنسانية).
بالتأكيد استنتجتم الآن ماهية المنارة .. إنها نظير النار في الميثولوجيا الإغريقية .. ظلام المعاناة الحالك الذي يتخفي وراء ضوء المعرفة الكاملة .. صوت يسبب الهوس ويثير الفضول وضوء يسر الناظرين .. لست متأكداً إن كان توماس ويك منع هاورد من الإقتراب من المنارة لأنه وقع في غرامها أم لأنه يدرك حجم المعاناة القابع بداخلها .. ولكن في كلتا الحالتين كان يحمي هاورد الذي رآه يعاني عندما انتابه الفضول ودخل المنارة أول مرة بدون إذن منه ويتحول إلي كائن تجلت صفة الرعب فيه من ردة فعل هاورد وظهر منه عدة أرجل أخطبوتية .. ولكن هذا لم يمنع هاورد بعد ذلك من التمرد علي قائده .. التمرد الذي جلب معه المعاناة وقاده إلي مصيره المحتوم.
ماذا رأي هاورد في مشهد النهاية فيلم The Lighthouse ؟ .. رأي الحقيقة الكاملة .. رأي ماضيه الذي يتهرب منه .. وحاضره المزيف .. ومستقبله المظلم .. رأي ألغاز المجهول تتفكك أمام عينيه .. رأي ما يفوق احتمال عقله لذلك تألم للغاية .. وإذا رأيتم ما رأى فسيصيبكم نفس مصيره لذلك لم يرد إيجرز أن يكشف لك ما رآه.
هناك العديد من الأساطير حول حوريات البحر اخترت منها المتماشي مع نظريتي التي ليست بالضرورة أن تكون الصحيحة .. ترتبط حوريات البحر في بعض الأحيان بالأحداث الخطيرة مثل الفيضانات والعواصف وحطام السفن والغرق .. وإذا تتبعنا ظهورها في أحداث الفيلم سنجد أن ظهورها الأول عندما رأي هاورد شيئاً ما في الماء فنزل ليراه فإذا بجثة صديقه الذي ينتحل شخصيته طافيةً علي سطح الماء .. المرة الثانية بعدما قتل هاورد طائر النورس وتسبب في اللعنة التي حلت عليهما حيث أصبح الطقس سيء للغاية .. رياح شمالية شرقية قوية للغاية وأمطار غزيرة .. وظهرت الحورية ملفوفة بنباتات بحرية وجسدها يميل للزرقة كمن مات غرقاً ووُجدت جثته بعد عدة أيام .. المرة الثالثة عندما كان هاورد يمارس العادة السرية ويتخيل أنه يقيم علاقة معها ولكن كان يقاطع تخيلاته ويشغل تفكيره شيئين .. زميله الذي ينتحل شخصيته والمنارة ربما كنا يري في ضوء المنارة الخلاص من ماضيه الذي يؤرقه … لذلك أعتقد بأن الحورية ترمز لشيئين روح زميل هاورد الذي غرق والشهوة .. حيث قضي هاورد وقتاً طويلاً على الجزيرة في الوحدة والعزلة .. فتولد عنده نوع من الكبت الجنسي بدأ في إشباعه عن طريق تخيل تمثال الحورية الصغير حورية جميلة حقيقة يمارس معها الجنسي.
