لم يكن فيلم “Donnie Darko” سوي ظاهرة سينمائية تستحق الدراسة والتأمل، فقد ترك الكثيرين في حيرةٍ مما رأوه على الشاشة من ظواهر وتفاصيلٍ قصصية لم تبوح بكامل أسرارها حتى عند نزول تترات النهاية، تعقيداتٍ عدة وتصاعدٍ في الأحداث عقابهما الكثير من التساؤلات عن فحوى ما يحدث ومعانيه الضمنية المراد سردها على المشاهدين، بالرغم من عدم غياب الحماس بالفيلم والإعجاب بما يمكن لصانع سيما أن يصل له على مستوى الإبداع الحبكوي.

ربما لم تتضح الأمور سوي عند إصدار نسخة المخرج “ريتشارد كيلي” وموقع إلكتروني يفك طلاسم القصة ويحوي التفسيرات اللازمة لنظرياته، وقد نجح ذلك في رأب الصدع بعض الشئ بين من لم يفهم أحداث الفيلم والنص السينمائي له، وكذلك منح الفيلم المزيد من الإرشادات التي جعلت منه أحد أفضل الأفلام التي عُرضت في بداية الألفية الجديدة.

فيما يلي، أستعرض وإياكم شرح فيلم Donnie Darko وبعض التفاصيل التي أدت لحدوثها بهذا الشكل:

الكون المتماس

في البداية، يجب أن يعرف الجميع بأن الفيلم يرتكز علي كتاب كتبته إحدي شخصيات الفيلم تدعي “روبرتا سبارو” وهي الجدة العجوز التي ظهرت ضمن سياق أحداث الفيلم، ينص الكتاب الذي يحمل إسم “فلسفة السفر عبر الزمن” بأن الوقت بناء مستقر بذاته ولكن بين الحين والأخر يحدث تلف لما يسمي ب”البعد الرابع”، والذي تطرق إليه “إينشتاين” ورجح بأنه ربما يكون بعداً إضافياً يخص الزمن علي إعتبار إنه بعد موجود في الكون.

الشرح الكامل لنهاية فيلم The Prestige

فحينما يحدث التلف لذلك البعد، يظهر علي عقبه “الكون المتماس” أو “Tangent Universe” المعروف بعد استقراره ويستمر لعدة أسابيع قبل أن ينهار علي نفسه، وذلك يشكل خطورةٍ كبري  علي “الكون الأساسي” الذي نعيش نحن فيه نتيجة نتيجة تكون ثقب أسود قادر علي تدمير الحياة كليتاً علي الأرض.

وهذا ما حدث في الفيلم فعلياً ، حيث يتلف الوقت منتصف ليلة 2 أكتوبر و يتم بعدها إنشاء كونٍ متماس وتحدد فيه الأيام الـ 28 التالية ، بعد وقت قصير من بدء “الكون المتماس”، يُوقظ “دوني” عن طريق الأرنب “فرانك” الذي يستدرجه خارج منزله ،حيث يسقط بعدها بدقائق محرك نفاث ضخم من خلال الخرق في الوقت ويهبط في غرفة نوم “دوني”.

يذكر بأن “الكون المتماس” لم يتم إنشاؤه بواسطة المحرك النفاث أو بإيقاظ “فرانك” ل”دوني”، فكلا الحدثين توالوا داخل هذا الكون الجديد، ولكن مع الأسف، لم يُكتشف أبدًا السبب الحقيقي لبداية تكوين هذا العالم، فهي بمعنى أخر ظاهرة لم تفسر بشكلٍ واضح للجميع.

الأداة

وفقًا لكتاب “السفر عبر الزمن” ،فإن بظهور “الكون المتماس”، سيظهر بعدها أداة معينة هي بمثابة العلامة الأولي أو الدليل إن صح التعبير على إنشاءه وسيكون مصنوع دائمًا من المعدن، في هذه الحالة كانت تلك الأداة هو المحرك النفاث العملاق.

شرح فيلم Interstellar

المستلم الحي

حينما يتشكل “الكون المتماس” مع “الأداة”،  يتم بعدها إختيار ما يدعي ب”المستلم الحي” بشكل عشوائي ، وفي هذه الحالة يكون “دوني” الشخص الذي يتم اختياره، ربما كون دوني في بؤرة “الكون المتماس”كان سبباً يرجح يتم اختياره، حيث تتمثل مهمته في إرشاد الأداة خارج “الكون المتماس” ليعود إلي مكانه مكانه الأصلي في “الكون الرئيسي”.

عادة ما ينعم المختار ببعض القوى الخارقة خلال فترة وجوده في ” الكون المتماس” لمساعدته في سعيه، بما فيها القوة الجسمانية، والقدرة على التحريك عن بُعد، والسيطرة على الأفكار وأيضًا القدرة على استحضار الماء والنار، وقد تجلى ذلك في تصرفات “دوني” كإغراق المدرسة وكسر أنابيب الماء بها، وحرق منزل “جيم كانينجهام”.

المتلاعبون الأموات

المُتلاعبون الأموات هم هؤلاء الذين لاقوا حتفهم خلال تواجدهم في “الكون المتماس” ولديهم قدرات معينة تفوق تلك التي تخص “المستلم الحي”، و تكون لديهم القدرة في التواصل معه بأية وسيلةٍ يريدونها، وأيضًا يستطيعون نصب أفخاخٍ له حتى لا يتركون له أي فرصة للعدول عن المهمة الأساسية، وهي إعادة “الأداة” الى الكون الأساسي.

هنا تكمن أهمية شخصية “فرانك”، و”فرانك” في الأصل صديقاً ل”إليزابيث” شقيقة “دوني”، “فرانك” كان حاضراً لحفل “الهالويين” في بيت “دوني” مُرتديًا لباس الأرنب صاحب الوجه المعدني كما ظهر لـ(دوني) بادئ الأمر، وخلال الأحداث نعرف الدوافع التي جعلت”دوني” يقتله ليصبح حينها “متلاعب ميت” يمتلك القدرة علي العودة بالزمن، وذلك يفسر ظهوره لـ”دوني” في البداية مُنقذًا إياه من الموت مُنسحقًا عن طريق المُحرك النفاث، وداعيًا له فيما بعد بأن يتبعه وينفذ ما يأمره به. كان (فرانك) هنا كالشبح العكسي والذي يظهر قبل موته وليس بعده.

شرح فيلم Predestination

(جريتىشن) هي الأخرى “مُتلاعبة ميتة” تم قتلها بواسطة (فرانك) في الكون المُتَمَاسّ، وهذه ليست بمصادفة طبعًا لأنّ موتها كان دافعًا عظيمًا لـ (دوني) لأن يُعيدها الى الحياة مجددًا في الكون الأصلي. لذا، كان على (دوني) أن يضمن أنَّ انهيار الكون المُتَمَاسّ لن يؤثر على الكون الأصلي ويدفعه إلى الانهيار هو الأخر.

المتلاعبون الأحياء

المُتلاعبون الأحياء هم غالباً أقرب الأشخاص ل”المستلم الحي”، ويكمن دورهم في إرشاده لمهمته ومساعدته على تحقيقها بأية طريقةٍ ممكنة مهما كانت طبيعة أفعاله.

هؤلاء يمثلون في الفيلم عائلتة “دوني” ومدرسة اللغة الإنجليزية “كارين بومري” التي ساعدته بشكل غير مباشر في معرفة مكان “روبرتا سبارو” مؤلفة كتاب “فلسفة السفر عبر الزمن” حينما لمحت له بأن كلمة “باب القبو” أو “Cellar Door” هي أجمل كلمة في اللغة الإنجليزية ككل.

نهاية فيلم Inception – الشرح الكامل لنهاية الفيلم

فخ الضمان

معني تلك الكلمات أن “المتلاعبون الميتون” عليهم أن ينصبوا الفخاخ ل”المستلم الحي” كي يضمنوا بأنه سيرسل “الأداة” من “الكون المتماس” إلى “الكون الأصلي” حتى ينقذوا أنفسهم من الهلاك، وهذا هو الهدف الرئيسي من المهمة التي يجب أن يقوم بها “دوني”.

“فرانك” يأمر “دوني” بإغراق المدرسة ، مما يؤدي ذلك إلى أن يسير “دوني” مع “جريتشين” إلى المنزل ثم يطلب منها أن تكون خليلته، وذلك يوحي بأن هذا الحدث لم يكن وليد المصادفة، بل هو جزء من الفخ المعد من قبل “فرانك”

كما أن “جريتشن” نفسها تلعب دورًا حاسمًا في الفخ ، ف”دوني” إلتقي بها ووقع في حبها داخل “الكون المتماس”، وحينما ماتت، إستاء “دوني” من “فرانك” لقتلها فقتله خالقاً بذلك “فرانك المتلاعب الميت” ، وهو الشخص الذي يوجهه للقيام بهذه الأشياء بعد أن عاد بالزمن ليواجه “دوني”، هنا الأخير توجب عليه أن يخلق “فرانك” من أجل أن يخلص نفسه في البداية.

 ينجح “فرانك” في ضبط المصيدة بنجاح وينفذ “دوني” ما يطلبه منه بعدما أنقذه الأول من الموت ولكن “دوني” بات في وضعٍ عصيب حالياً، حيث ماتت صديقته وهو الأن قاتل هارب، لكنه بات يعرف هدفه ولم يبقي لديه سوى مخرج واحد على الرغم من أن ذلك سيكلفه حياته في نهاية المطاف، ألا وهي ” إرسال المحرك من خلال بوابة زمنية مما يؤدي إلي محو آخر 28 يومًا من التاريخ وعودة الوقت إلى “2 أكتوبر” مرة أخرى عندما حيث كانت جريتشين لا تزال على قيد الحياة.

شرح نهاية فيلم Donnie Darko

في نهاية الفيلم تظهر دوامة كبيرة فوق منزل “دوني”، و أيضًا الطائرة التي تقل علي متنها والدته وشقيقته الصغرى “سامانتا” وهي تقترب من منزل (دوني)، عندها يشرع “دوني” في إستخدام قوته المتمثلة في التحريك عن بُعد كي يقتلع المحرك من مكانه ويخلق ببذلك بوابة زمنية من الماء (ذكر ذلك في نص الكتاب) مُعيدًا المحرك النفاث للطائرة إلى مكانه بالكون الأصلي.

حينها ينهار “الكون المتماس” ويستمر الكون الأصلي من حيث توقف، ويعود الزمن مرة أخري ليوم 2 أكتوبر  وتُصبح أحداث الـ28 يوم كأنّها لم تحدث من الأساس.

حينها يستيقظ (دوني) من نومه ضاحكًا، ثم يعود مجدداً ليكمل نومه وعلى وجهه إبتسامة الرضا معتقداً بأن مهمته نجحت علي أكمل وجه وأن كل شئ قد عاد إلي طبيعته أخيرًا، لكن المُحرك الذي أرسله عبر الزمن يعود مجددًا ليسقط في غرفته ساحقًا “دوني” ليموت بعدها وهو تحت أنقاض المحرك.

 هناك المشهد الذي يستيقظ فيه “المتلاعبون الأحياء” من نومهم في الكون الأصلي وعلى وجوههم علامات الحيرة والتأثر بما حديث التي ظنوها مجرد أحلام، نجد “فرانك” مثلًا يلمس عينه التي أصابها “دوني” في “الكون المتماس”، و أيضاَ “جون كانينجهام” الذي يستيقظ باكيًا من نومه دلالة على شعوره بالخزي من تصرفاته كما عرفناها في الفيلم .

أما “جريتشن” نفسها فعندما استيقظت من نومها مرت بعدها ببيت “دوني” وقت وفاته، ولوّحت بيدها لوالدته بالرغم من أنهما لم يتقابلا نهائياً، وهذ يدل على أن الأحداث التي عاشوها قد تركت بعض الأثر في نفوسهم، وهذا يعزز معنى ما جاء في الفصل الأخير من الكتاب بعنوان “الأحلام” الذي تحدث  فيه علي أن بعض المُتلاعبين تطاردهم التجارب التي خاضوها في “الكون المتماس” في نومهم.