مسلسل “بـ100 وشّ” من المسلسلات التي شغلت المشاهدين في رمضان هذا العام، وأثبتت قدرة في ظلّ تنافس من مسلسلات كثيرة تريد حصد نسب المشاهدات الضخمة. والنجاح في السباق الدراميّ الرمضانيّ يعتمد اعتمادًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعيّ التي من خلالها ينقل الكثير من المشاهدين تجربة مشاهدتهم للأعمال؛ في شكل انطباع مجرّد أوفي شكل شبه دقيق. وسنحاول هنا ذكر أهمّ الأسباب التي ساعدت على رواج هذا المسلسل.
وللتذكير هذا المسلسل من تأليف/ أحمد وائل وعمرو الدالي، وإخراج/ كاملة أبو ذكري. ومن بطولة: نيللي كريم، آسر ياسين، إسلام إبراهيم، مصطفى درويش، علا رشدي، شريف دسوقي، محمد عبد العظيم، دنيا ماهر، زينب غريب.
أولاً: شارة البداية (التتر) المصنوع بجودة وإتقان شديدين. فهو من جانب الصوت يحتوي على أغنيَّة ذات طابع شعبيّ مما يلامس الرائج في هذه السنوات. لكنْ رُوعِيَ فيها ألا تحتوي على أيَّة سخافات مما تحتويها هذه الأغاني. ومن جانب الصورة التي تراها فيه نرى اختيارًا ممتازًا للقطات التي تظهر فيه من حيث تنوعُّها من ناحية، ومن حيث المرح الغامر الذي تمتلأ به والذي اشترك فيه غالب الممثلين؛ وهذا كلَّه دور المخرج. وكذلك مشاركة بطلَيْ العمل في الأداء الصوتيّ مما أضفى مزيدًا من المرح.
ثانيًا: روح الإثارة والتشويق التي تميز بها العمل، وكانت تصنيفه الأساسيّ. هذا التصنيف يتميز بالجذب الشديد لأنظار المشاهدين؛ حيث يترقِّب المتابع ما سيحدث في كل حلقة جديدة لا لأنَّه يريد المتابعة وحسب (كما يحدث في بقيَّة التصنيفات كالدراما الخالصة مثلاً) بل لأنها تجبره على المتابعة. ولكنَّه تصنيف ذو حدَّيْن يكون بالغ الجودة عندما يُصنع بمهارة، لكنَّه قادر على إسقاط أيّ عمل متى كان تنفيذه سيئًا أو غير مُتقن. وبالنسبة لمسلسلنا فقد حافظ على درجة مناسبة من الإثارة والتشويق لتليق بمستوى الدراما في المسلسل، ودون إدخاله في تحديات هي ليست له.
ثالثًا: العنصر الأشدّ جذبًا والذي أضاف للإثارة قوَّة بالغة هو “الكوميديا” التي قدَّمها لنا المسلسل. والكوميديا فيه لها ما يميِّزها عن غيره من المسلسلات: فقد اختار المؤلفانِ والمخرجة أنْ يقدِّما مستوى من الكوميديا لا يقترب من الكوميديا الصارخة التي يقدمها الكثيرون (الكوميديا الصارخة هي درجة عالية للغاية من جرعات الكوميديا في العمل وأشهر مثال لها أعمال الممثل محمد سعد)، بل اختاروا نمطًا هادئًا من الكوميديا يضفي جوًّا عميقًا من المرح على الحلقات، كما أنَّ الجميع قد شارك فيها ولمْ يحتكرها أحد كما نرى في غالب الأعمال. والذي شارك بشدة في إنجاح التجربة هو دخول البطلين في الكوميديا ومعروف عنهما الابتعاد عن تقديم هذا النوع من الأداء مما أكسب التجربة مزيدًا من الاهتمام من قبل المشاهدين.
رابعًا: الكتابة التي استطاعتْ صنع دراما خفيَّة وخفيفة في الوقت نفسه. فقد صنعتْ أولاً قصة ملائمة للمتابعة تخلو من التشابك المُعقد والالتواءات الحادة التي تظهر أيضًا في كثير من الأعمال في شكل “موضة” أو هوجة يقلدها الكثيرون وهم لا يستطيعون تقديمها من الأساس لصعوبتها الشديدة في الكتابة والتنفيذ. ومن هنا يأتي توفيق الاختيار في كتابة المسلسل. وهناك أيضًا عنصر جيد هو تضييق نطاق البطولة والتمثيل عمومًا فالممثلون يعدون على أصابع اليدَيْن. ولكنْ بالعموم مثل هذه الأعمال ولأنَّها ملتزمة بتقديم ثلاثين حلقةً تضطر في الغالب إلى الحشو؛ مما يهبط بمستواها في الثلث الثاني، أو الأخير من عدد حلقاتها.
خامسًا: التمثيل الجيِّد ومما ساعد عليه هذا التضييق في نطاق الممثلين فلمْ يعد أمامك إلى اختيارات قليلة لتكوِّن فريقك وهذا أثَّر على الاختيار الجيِّد للممثلين الذين أدوا الأدوار الرئيسة وهم عشرة بالعدد. كلهم يؤدون ما عليهم وزيادة. لكنْ يجب التنويه على التألُّق الشديد الذي يقدمه إسلام إبراهيم، وكذلك ما يؤديه بطلا العمل. كما تميَّز أيضًا الجانب التمثيليّ بعنصر الانسجام (أو ما يُعبَّر عنه بالكيميا بين الممثلين) وهذا وحده كان ذا فضل كبير في قبول المسلسل لدى المشاهدين.
سادسًا: الإخراج بالغ الجودة الذي تقوم به كاملة أبو ذكري. فهي تعرف ماذا يتطلب العمل منها، وما هي حدود قصّتها التي ترويها. وكذلك يظهر دورها في الاختيار الجيد لبعض الممثلين ولعلّ “شريف دسوقي” أبرز دليل على حُسن اختيارها للممثلين. وكذلك يظهر دورها في السيطرة على أداء الممثلين وجعلهم يؤدون تلك الدرجة من الكوميديا المَرِحة، وكذلك السيطرة على وتيرة العمل كلَّها. كما تبرز في الكثير من الفنيات التصويريَّة التي اختارتها لتقديم عملها؛ ومنها اختيارها لطريقة تقديم كل شخصيَّة من الأبطال من خلال لقطات شديدة القِصَر تختزل قصة طويلة يحتاج كثير من المخرجين إلى مشاهد لحكايتها.
ونتمنى أن تتصل عوامل النجاح في المسلسل الذي يقدم لمُتابعيه البهجة اللطيفة.