مقالات

حين زخرت الأقنعة وترنّمت حنان مطاوع بالـ “وجوه”

حنان مطاوع

لا تحكي حنان مطاوع الدور بل تحوّله إلى ترنيمة آسرة، تُجوّّدها حتى الأفق.

في فن التوصيف يشتقّ مساق يهذي باحتواء العمل، أشاهده في مسلسل “وجوه” بكلتا حكاياه بوضوح وحيطة مُنغّمة بشدو حنان مطاوع فهي الفعل والفاعل والحالة حتى اكتمال الحدث بوجوه عديدة ذات معدن واحد وحقيقة توحّده، وإن لمن البديهيّات الدراميّة أن نرى عملا بطولة مطلقة لحنان مطاوع فهو مؤشّر لسلامة الدراما العربيّة حاليا.

بلاغة حنان مطاوع التعبيرية البصريّة هي التي تحرّك الحساسيّة الدائبة للوجوه بتكيّفها الذي لا ينتهي بالرضوخ وتعطّشها للوضوح الذي لا آخر له، تؤلّف الرموز اللغويّة المتحدّثة بها والمكتوبة المرئية التي تنقلها حاسة البصر لكل وجه فشكّلت منظومة حسيّة إشاريّة تدل على العقبات الماديّة المحسوسة والموجودة في العالم الخارجي والعواصف الداخلية بين الحيرة والحيلة.

حين زخرت الأقنعة وترنّمت حنان مطاوع بالـ "وجوه" 1
حنان مطاوع من حكاية “وش تالت”

حكاية “وش تالت” أقرب للسراب النفسي والتكهّن الإجتماعي فهي تجمع بين الظلال المباشرة الهوجاء وبين الحقائق اليومية البليدة بتشخيص بعيد عن العبثيّة والتهويمات الجانحة.

كل شئ عن حنان مطاوع – فنانة كما يجب أن تكون

على مدى مشاهدتي لحلقات الحكاية كاملة تذكّرت مقولة العالِم كارل ماركس “العلاج الوحيد للتّعب الذّهني هو الألم الجسدي”، وهو ما حدث بالفعل لا ينتهي توغّل ألم إلّا بآخر يشاطره الحالة ليخفّف عنها، “سلمى” ووجوهها الثلاثة وجه السلام ووجه المستبد ووجه المنتقم بحق والثالث نتاج انتفاضة وثأر لرماد حرق الأول.
إطار حياة “سلمى” يبدو في مرحلته الأول بمثابة زخرفة عربيّة تحيط بالصورة أما مرحلته الثانية فيتشحّب ويقسى ويغدو مثل قطع خشبيّة مرصوصة على هيئة إطار داخلها أصوات مناجاة بصورة متشظيّة لصراع نفسي وهو نزاع “سلمى” مع الذّهان.

حين زخرت الأقنعة وترنّمت حنان مطاوع بالـ "وجوه" 2
حنان مطاوع من حكاية “وش تالت”

علميا يُعرّف الذّهان بمعتقدات توهّميّة تؤدي إلى نوبات هلوسة تفصل المريض عن الواقع بتهيّئات محض خيال لذا يتخاطر المرض العقلي مع التصرّفات المثيرة للرّيبة فاهتمّت حنان مطاوع بالحركة الماديّة لـ “سلمى” وتيّار حركتها الفكريّة وتحرير اضطراباتها العصبيّة وذبذباتها الذهنيّة ومع كل لمعة من عينها تُتقن الرّثاء على نفسها الماضية ولكل رعشة سحابة ممطرة بآلام لا يكفي الإفصاح عنها فهي تصل إلى أعمق طبقات النفس فتتسامى فوق صروف القدر الضريرة فتلقي على كاهلها قيود الحياة وأعبائها.

حين زخرت الأقنعة وترنّمت حنان مطاوع بالـ "وجوه" 3
حنان مطاوع من حكاية “وش تالت”

قد ينطق الحجر بتعبيره دون أن نسمعه أو نفهمه، فهو الصّلب إن رُمي في البحر يغرق لكن لا يتفتّت كحال “سلمى” غرقت في سموم الخذلان المصبوب نحوها من جميع الإتّجاهات في لحظات انفراج الحقائق واستمرّت في المنازعة من أجل الوصول إلى ضفّة الأمان، وللحجر رمزيّة قوّة وحظ فكان هو هدية “سلمى” لطفلتها.

حين زخرت الأقنعة وترنّمت حنان مطاوع بالـ "وجوه" 4
حنان مطاوع من حكاية “وش تالت”

بين الواقع وحياة العالم الإفتراضي ترقب حنان مطاوع إسقاط العجز العقلاني في حكاية “ميتافيرس” فتحرّر اللاشعور من الكوابح المنطقية عن طريق “فريدة” لتجعل الربط بينهما فكرة تجريديّة، وهي الفكرة المُستبدلة لضحالة واقع حاولت مهرولة الهروب منه إلا أنه يتشبث فيها كالمصيدة.

حين زخرت الأقنعة وترنّمت حنان مطاوع بالـ "وجوه" 5
من حكاية “ميتافيرس”

حرب حنان مطاوع دائمة ضد كافيين الأداء تقود إلى أنواع مبجلة من الوَجد بالوجوه المتناقضة في كل حكاية جعلتنا جزءاً من الحكاية فهي تُبكي وتضحك، تُحب وتكره، تفزع وتطمئن، تتحرّك وتندهش وتترقّب وتشعر بالصدمة.

تيا البارود
كاتبة صحفية وناقدة فنيّة مهتمّة بالقيم الإنسانيّة والقضايا المجتمعيّة المطروحة عبر نافذة الفن

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *