فيلم Get Out قد وفر لي شيئاً انا شخصياً اعشقه آلا وهو بداية من اقوي البدايات في عالم الإخراج في السنين الأخيرة وأمل نحو مستقبل أفضل لعالم السينما كما إنه إلهام لكل صناع الأفلام الشباب لتجربة أشياء جديدة وغير تقليدية بل ربما تغير خارطة الفن السابع بأكملها، جوردان بييل قد بدأ مسيرته الفنية كمخرج بقوة وحماس شديد، وقام بكتابة وإخراج هذا الفيلم المبتكر، الذكي، الأنيق، وبشكل مدهش سيجعلك جالس على طرف مقعدك وانت تحزر ماذا سيحدث في الدقائق المقبلة، وقد نال بييل جائزة أوسكار مستحقة من وجهة نظري على كتابة السيناريو بل ويمكنني الذهاب ابعد من هذا واقول انها اكثر الجوائز المستحقة في حفل الأوسكار الفائت، الأكاديمية قد قامت بعمل حسن عندما منحت بييل التقدير الذي يستحقه، وسوف تكون دفعة معنوية ليس فقط لجوردان بييل بل للمؤلفين والمخرجين الشباب في السنين القادمة ليقدموا كل ما لديهم للحصول على الذهب، أتمني مشاهدة المزيد من أفلام جوردان بييل في المستقبل وما يسعدني أنني سوف اتابع مسيرة هذا المخرج الشاب من بدايتها.
يقدم لنا الفيلم رؤية جديدة للعنصرية أو ما يسمي بـ Post – Racism (مابعد العنصرية) وهي ليست مثل حمل السوط وضرب عبدك الأسود لأنه لا يقوم بعمله، لدينا قوانين تمنع هذا الان، ولكنها في الجوهر هي نفس الشئ آلا وهو عدم النظر لشخص لماهيته بل النظر للون بشرته، “لكن هل هي بسوء الضرب بالسوط؟” هذا السؤال الذي يطرح نفسه وهو السؤال الذي يحاول الفيلم الإجابة عليه، دعنا نأخذ هذه الجملة والتي قيلت في الفيلم كمثال “الرجال السود أفضل في العاب القوى، يملكون بنية جسدية قوية جداً، بل يتمتعون بخصوبة أفضل من الرجال الآخرين، أصوات السود جميلة جداً، لديهم قدرة أكبر على التحمل أثناء العمل الشاق، أنا معجب بهم وبمميزاتهم الخارقة.” عندما تقرأ مثل هذه الجمل ماذا تظن؟ هل هي مديح حقاً؟ انا أظنها عنصرية ملفوفة بغلاف جميل،انها ليست مديح بقدر ماهي رؤية لذوي البشرة السمراء كأدوات، في الماضي كانوا أدوات للعمل الشاق في الحاضر أصبحوا أدوات للمتعة والإنبهار، في كلتا الحالتين نحن لا ننظر إلا للون البشرة أولاً والباقي يأتي لاحقاً، لماذا نقول “فلان أفضل ممثل أسود!” ولا نقول “فلان أفضل ممثل أبيض!” هل كونه أسود وممثل جيد أمر يدعو للإنبهار؟ هل من الصعب ان نتجاوز لون بشرته وننظر له كشخص؟ لماذا نبدو دائماً كأننا نتأمل مخلوقات غريبة عندما نشاهد شخص ذو بشرة سمراء في الشارع؟ هذه هي نوع العنصرية التي يتحدث عنها الفيلم بصورة جريئة وبشكل خارج عن الصندوق، شكل العنصرية المستهلك في الميديا حتي الثمالة قد ولي زمنه، مسلسل Roots وفيلم To Kill A Mockingbird أصبحوا شيئاً من الماضي، نحن لا نحتاج مثل هذه الرؤية العقيمة المبتذله والأقرب لإستغلال معاناة أصحاب البشرة السمراء، عوضاً عن ذلك يقدم جوردان بييل الرؤية الحديثة للعنصرية ليس فقط في الولايات المتحدة بل في العالم أجمع.
فيلم Get Out مصنف تحت كلمة (رعب)، أجل ما قرأته صحيح، زمن العفاريت والساحرات والوحوش التي تقفز من السقف قد انتهى، وإذا كنت لاتحب سوى هذا النوع من الرعب حظ عاثر لك لأنك لن تجد مثل هذه الأشياء هنا، نحن نتحدث عن الوجه الحديث لأفلام الرعب، رعب الفكرة وهنا الفكرة كما قلت سابقاً هي العنصرية، حيث يسلط الفيلم الضوء على الألم والتأثير النفسي التي تخلفه العنصرية على نفوس ضحاياها، مثل هذا النوع من الأفلام هو مستقبل فئة الرعب، فالصورة تبقي معك للحظة، ولكن عندما تجعل الرعب فكرة، هذه الفكرة تبقي في ذاكرتك لسنوات، وهذه هي عبقرية Get Out والأمر الذي جعل هذا الفيلم صاحب شعبية كبيرة، واستقطب العديد من المحبين والكارهين على حد سواء، ليس فقط الرؤية الجديدة لسينما الرعب هو ما جعلني احب هذا الفيلم بل أيضاً حبكته الفريدة من نوعها، يمكنك ان تقسم الفيلم لثلاث أجزاء، الأول هو يمكنك ان نعتبره كوميديا رومنسية الشاب الأسود يقع في حب فتاة بيضاء ويذهب لرؤية أهلها على مضض قصة ريما تكون قد رأيتها من قبل، الجزء التاني دراما وغموض بطلنا يري أشياء غريبة تحدث، يشكك في كل شئ، يشعر بعدم الارتياح، لكن ربما يكون مبالغ إلي حد ما، نحن كمشاهدين لا نشعر بخطر حقيقي، والجزء الثالث الأمور تأخذ منعطف خطير، نبدأ في الرعب الحقيقي، فجأة شكوك البطل تصبح حقائق، هذا التلاعب من جوردان بييل بتوقعاتنا كمشاهدين شئ مبهر بكل صراحة، تطور الأحداث من البداية كإنها منحدر نحو الجحيم، لن تتوقع ما سوف تؤول إليه الأمور، ستبقى دائماً في حالة تخمين، والجزء الأخير من الفيلم هو واحد من أجمل الأشياء التي رأيتها في 2017 كتابته متقنة، أحداثه مثيرة، ملئ بالمفاجأت، فعلياً مصنوع بشكل متقن للغاية، وساهم في تعزيز قيمة العمل الفنية بشكل كبير، في الواقع جميع عناصر هذا الفيلم من سيناريو، اخراج، تمثيل، إلي أخره قد تم تقديمها بعناية شديدة، وبشكل متقن، وبعيد عن الإبتذال.
شخصياً اعتبر فيلم Get Out من أفضل أفلام الرعب الحديثة، وربما يكون أكثرها احتراماً لعقلية المشاهد، فيلم يقدم فكرته بصورة ذكية للغاية وبشكل مبتكر، مخرج في أولي تجاربه السينمائية يقدم لنا فيلم في غاية في الجمال، ممثلون مغمورون مثل المخرج نفسه يقومون بأفضل أداء في مسيرتهم المهنية حتي اللحظة، فيلم غير تقليدي بالمره في زمن كثر فيه الإبتذال خصوصاً في هذه الفئة، وسوف يفتح آفاقاً جديدة في المستقبل لصنع مثل هذه الأفلام، اشكر كل من ساهم في صنع هذا الفيلم، وأتمني تكرار مثل هذه التجربة في المستقبل القريب، وحظاً سعيداً لجوردان بييل في مسيرته كمخرج.
التقييم النهائي : 8 من 10.
بقلم : باسم عماد