كشخص مهتم بالكتابة عموما وبصناعة النشر الشخصي خصوصا ومع كوني مؤسس لمنصة كتبنا وهي إحدى الأدوات العربية القليلة التي تقدم خدمة النشر الذاتي للمؤلفين المصريين والعرب الشباب، لفت نظري للغاية أحدث أفلام النجم الكوميدي كيفين جيمس (قدم أفلام Hitch وMall Cop من قبل) الذي انطلق حديثا عبر منصة نتفليكس بعنوان “مذكرات حقيقية لقاتل دولي” True Memoirs of an International Assassin، لأن جيمس جسد دور كاتب شاب متخصص في كتابة روايات الجريمة والحركة والإثارة، يدرس جميع تفاصيل شخصياته ومواقع القتال والأسلحة المستخدمة وتكتيكات واستراتيجيات المعارك حتى أدق العناصر، لدرجة أنه يحتفظ في مكتبه بأسلحة حقيقية يستخدمها في جانب “البحث” Research الذي يجريه أي كاتب مجتهد ومتعمق، ويأخد دروس في القتال، ويصادق أشخاص متعمقين في مجال المخابرات ومكافحة الجاسوسية، إلا أنه على الرغم من كل ذلك، وكل هذا المجهود الجبار، ورواية بعد رواية، يفشل في الحصول على موافقة دور النشر التقليدية على إخراج أعماله للنور، ولجماهير وعشاق روايات الأكشن والمغامرات!
وهنا تتدخل إحدى المنصات العصرية التي تستخدم التكنولوجيا في توصيل المؤلفين الشباب الذين لم يسبق لهم النشر مثل “سام لارسون” -الكاتب الشاب الذي يجسد شخصيته كيفين-، بجمهور القراء المتعطش لمحتوى مختلف ومشوق، وتقدم له عرض بنشر عمله إلكترونيا على الموقع الخاص بالمنصة. يتشكك سام في البداية في جدية المنصة، ولكن أخصائية النشر التي عرضت عليه الخدمة تؤكد له أن النشر الشخصي أصبح شيئا منتشرا وناجحا، وأنه بقليل من الجهد في تسويق عمله، قد تحقق روايته نجاح مذهل مثل سلسلة “توايلايت” الشهيرة.
نشرت المنصة بالفعل رواية سام التي تحكي قصة “الشبح”، أحد أساطير المخابرات الأمريكية الذي يقوم بعمليات شهيرة جدا في شبابه، تتضمن اغتيالات لشخصيات عالمية معادية للولايات المتحدة، قبل أن يختفي تماما ويعيش في الظل متنكرا في شخصية أخرى وتحت اسم غير معروف. الشبح بالطبع يجيد القتال، واستخدام الأسلحة، والاشتباك بالأيدي وقيادة السيارات والمركبات المائية.. الخ من المهارات. وفي اليوم الأول من إطلاق الرواية على المنصة، يفاجئ سام بعشرات الآلاف من مرات التحميل التي تحققها الرواية، ويجد مسئولة النشر تحدثه لتعطيه شيك بنصيبه في مبيعات الرواية التي فاقت التوقعات. وهنا يكتشف سام الحيلة التي قامت بها الأخصائية لتحقق كل هذا النجاح بشكل سريع، لقد وضعت الكتاب تحت تصنيف “كتب واقعية”، ولم تضعه تحت تصنيف “روايات”، وبالتالي ظن القراء أنهم أمام مذكرات حقيقة لجاسوس أمريكي خطير يحمل اسم “الشبح”.
وهنا تبدأ الأحداث في الدوران بشكل مثير، تستضيف الشبكات الإخبارية الكبرى سام بصفته عميل مخابرات سابق، وكأن الأمر سبق صحفي خطير، وتبدأ أجهزة مخابرات ومنظمات جاسوسية عالمية في محاولة اختطافه، وتبدأ أجهزة أخرى في محاولة تجنيده، ويشتد الصراع علي الظفر به باعتباره “الشبح” الحقيقي، ويدخل في مغامرات تخطف الأنفاس تنتهي بيه لأمريكا الجنوبية داخل فينزويلا في قلب معركة تدور بين قصر الرئاسة الفنزويلي، والجيش الوطني، والمخابرات الأمريكية، وعصابات المخدرات، وجبهة ثورية تسعي للإطاحة بالحكم.
ويسعى “سام” لتحقيق حلمه، وكتابة قصته الشخصية بدلا من كتابة روايات عن شخصيات لا يعلم شيئا عن حياتها، وأسلوب تفكيرها وعملها، وبالفعل تتحول تلك الأحداث المفاجأة لفرصة لصياغة قصة جديدة لحياة “سام لارسون”، الكاتب الشاب الذي تمنحه منصات النشر الشخصي فرصة لكل هذا الكم من المغامرة والتجريب واكتشاف الذات والتعرض لأحداث لم تكن تخطر له على بال.
فيلم “مذكرات حقيقية لقاتل دولي”، فيلم طريف جدا، ومفيد جدا، أنصح به كل من يريد قضاء وقت ممتع، أو كل من يريد إلقاء نظرة عن عالم النشر الذاتي الذي ذاع صيته في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه الآن.