عَقِبَ نهاية ثُلاثية “The Matrix” التي ساهمت في علو شأنه كأحد أبرز النجوم الصاعدين والواعدين، شَهِدت مسيرة النجم الكندي “كيانو رييفز” إنحداراً عنيفا لما يُقارب 9 سنواتٍ كاملة لم يُقدم من خلالِها ما يُثبت ما قيل عنه بأنه ذو موهبةٍ بارزة بإمكانها الوصولِ إلي أعلي مراتب التميُزِ سؤاء في”الأكشن”أو غيره.
أدوارٍ كثيرة أقلُ ما يقالٌ عنها أنها “ضعيفة” لدرجة انها تجعلك كمُشاهد أو علي الأقل محب لسلسلة “The Matrix” تتسائل: “كيف يمكن لواحدٍ مثل “رييفز” تمكن من تحقيقِ شهرةٍ واسعة وسط محبي أفلام الحركة في وقتٍ قصير يحصرُ نفسه في كل هذه الأدوارٍ السطحية و يَظُنُ أنها ستجلب له النجاح؟”
لكن مع مرور الوقت ووقوع الفأس علي الرأس، تفطن أخيراً “كيانو رييفز” للنصيحة الشهيرة “اياك أن تُعزز الفشل بالفشل” ويفاجئ الجميع عام 2012 بعودة مُدوية لعالم الأكشن والحركة من خلال فيلم “John Wick” الذي كلل له فيما بعد نجاحاُ ساحقاً لم يتوقعه الكثيرون مما شاهدوا الفيلم وقت عرضه وتلفظوا بالكثير من كلمات الشكر والتقدير علي محتوي الفيلم وما فيه من تقنياتٍ للأكشن مصممة علي أعلي درجةٍ من الإحترافية (والسبب سأذكره لاحقا عند التعمق في تفاصيل الجزء الثالث) ومقدمة علي هامشِ قصةٍ بسيطةٍ ومُباشرة لا تحمل في طياتها المبالغة أو الحشو الزائد بلا معني.
بل كان الهدفُ من خلاها إعطاء دوافع متعددة لما ستفسر عنه مشاهد الأكشن المختلفة التي عززت المغزي الأساسي للسلسلة الذي يعد ترفيهياً في المقام الأول، مما تسبب ذلك في إقبالِ عددٍ مهولٍ من رواد الأفلام علي صالات العرض السينمائية للإستمتاع بالفيلم الذي زادت عدد أجزاءه إلي 3 بعد النجاح الساحق الذي حققه الجزء الأول نقدياً وجماهيرياً وأيضا في شباك التذاكر مروراً بالجزء الثاني و وصولاً للجزء الثالث الذي من المحتمل أن لن يكون الأخير في هذه السلسلة.
والآن حان وقت الكلام والتعمقِ في تفاصيل الجزء الثالث ومعرفة مسببات نجاحه شأنه شأن الأجزاء السابقة:
القصة إنطلقت من وقت ما إنتهي إليه الجزء السابق وذلك عندما قتل “جون ويك” أحد أعضاء منظمة “High Table” علي أرض فندق “Continental” مما يتنافي ذلك مع القوانين التي أصاغتها المنظمة ، لكي يصبح “جون ويك” مُستهدفٌ من قبلِ العديد ِمن القتلة المأجورين بعدما تم رصد مبلغ قدره “14 مليون دولار” لمن يأتي برأسه للمنظمة، ويبدأ “ويك” رحلة محفوفة بالمخاطر للنجة من براثن الهلاك علي يد من يلاحقونه ويسعون لقتله والظفر بالجائزة الكبري.
القصة كما يعرِفَ الجميع ليست الشغل الشاغل لصُناع السلسلة، ولكن هذا ليس معناه بأن الفيلم لا يمتلك حبكة تهيئ علي أقل تقدير ما سيحدث من مشاهد الإشتباكاتٍ المتعددة به، بل للمفارقة ذلك الجزء بالتحديد قد أجري تطويراً نسبياً علي مستوي قصته وتشعب داخل عوالم منظمة “High Table” مما يشكل ذلك عنصراً هاما وجوهرياً وأيضا غير متوقع للتميز عن قصص سائر الأجزاء السابقة.الثناء الأكبر يأتي في صالح “الأكشن” الذي أجمع الكل بدونِ إستثنائات علي الطفرة الكبري الذي أحدثتها تلك السلسلة في عالم أفلام الحركة، فمن كان يُصدق أن نجد علي مدار الثلاثٍ أجزاء أفكارٍ مبتكرة وحيل متجددة تم تصميمها بعناية فائقة و تلوح من خلالها معالم الجهد المبذول سواءاً في التنفيذ من قبل “كيانو رييفز” أو حتي في الإخراج.
وبما أننا ذكرنا كلمة “الإخراج”، فيجب الإعتراف بأن الفضل في ذلك يعود للمخرج “تشاد ستاليسكي” و الذي يعمل في الأصل “منسق للحيل” أو “Stunt Coordinator” وظيفته الأساسية تصميم مشاهد الحركة المختلفة بجانب إختيار الأفكار المناسبة لها، لذلك كانت بصماته واضحة وجلية علي جودة أساليب الأكشن المستخدمة في هذا الجزء كما كان الحال في الأجزاء السابقة وكذلك ألية الحيل الخاصة بها من إستخدامٍ مفرط للأسلحة أو السكاكين أو حتي للأدوات العادية!!!!!
تخيلوا معي رجلاً استخدم في الأجزاء السابقة قلم رصاص لقتل إحدي المجرمين، فها هو يستخدم هذه المرة كتاباً ليقتل به أحد المطاردين له، وكل هذا يرجح فكرة الأنماط المختلفة في تسلسلات الأكشن المختلفة مما يثقل ذلك كفة العمل وسط الأفلام الإخري من نفس النوعية و أيضاً جرعة المتعة التي يرغب بها عشاق الأكشن جميعهم.
ليس هذا فحسب،بل إهتم “ستاليسكي” بإختيار الزوايا والطرق المناسبة للتسهيل علي المتفرج متابعة كل ما يدور من حيثُ إستخدام كلاً من:
1-اللقطات الواسعة أو ما تسمي ب“Wide Shots” لكي يسهل علي المتفرج رصد المتواجدين داخل نطاق المكان الذي يدور فيه الإشتباك الحالي.
2-اللقطات الطويلة أو “Long Takes” والتي كانت واضحة بشدة في إحدي المشاهد المحورية في الفيلم (لن يتم ذكره لتجنب الحرق).لذا، كان التطور النسبي للقصة مع إرتفاع وتيرة و حدة الأكشن في هذا الجزء ساهما في تفرد ذلك الجزء هو الأخر كما جرت اعادة واستفادته من أسلوب السلسلة في الإستمرار علي النهج الذي يضمن النجاح مع حصد المزيد والمزيد من الثناء والرغبة من قبل الجمهور في تقديم أجزاءٍ جديدة تحتوي علي حيل وأفكار أخر للأكشن يسيل لها اللعاب ويتدفق من خلالها هرمون الأدرينالين في الجسم بغزارة كما حدث في هذا الجزء بشكل خاص والأجزاء السابقة بشكلٍ عام. ولكن كل ذلك الإسهاب في الشكر والتقدير لمجهودات المخرج “تشاد ستاليسكي” لن ينسينا أبداً المجهود البدني الرهيب الذي بذله “كيانو رييفز” في الأكشن، فما قدمه “رييفز” في الثلاثٍ أجزاءٍ معاً أنقذه من شبح الإنتقاد المستمر وبات يحظي بنسبة قبولٍ عند الجمهور من جديد بعد ضياعه وسط تلك السقطات الكثيرة الذي ظن “رييفز” بمفرده أنها ستضيف له شيئاً.والمذهل بحق أن “رييفز” قد أدي مشاهده كلها بنفسه دون الإستعانة ب”دوبلير”، فكان بمثابة الرجل الذي لا يهاب الخطر وهو “كيانو رييفز” نفسه الطامح في عودة قوية تخرس ألسنة المنتقدين تماماً، والرجل الذي لا يهاب الخطر وهو متقلداً لهوية “جون ويك” الذي يتحدي الجميع بكل هذه الحدة بسبب كلبٍ صغير.“هالي بيري” كانت مفأجأة هذا الجزء أيضاً ودور “صوفيا” أعاد لها بريقها الخافت منذ سنين، فبرغم قصر مساحة دورها إلا أنه كان محورياً في سياق القصة وكذلك في إحدي مشاهد الأكشن المحورية بالفيلم حيث إستطاعت هي الأخري مشاركة “رييفز” المجهود البدني بالمشهد و كذلك سفك دماء العديدين ممن يريدون إغتيال “ويك” بعدما قررت مساعدته لغرضٍ معين (لن يتم ذكره لتجنب الحرق).
الخُلاصة هي أن الجزء الثالث من سلسلة أفلام “John Wick” الذي يحمل عنوان “Parabelleum” يعتبر نجاحاً أخر يضاف لسلسلة الإنجازات الغير مسبوقة التي حققها صناع الثلاثية والتي ستعطيهم حافزاً كبيراً للتغلغل أكثر فأكثر في عالم منظمة “High Table” سؤاء أكان من خلال أجزاءٍ جديدة أو قصصٍ مُصورة او حتي أعمالٍ مقتبسة من وحي ذلك العالم الإجرامي، فما زال هناك رصيدٌ هائل من الحماس والترقب لكل ما له علاقة ب”جون ويك” الذي بلا شك يعد إنتعاشة كبري لأفلام الحركة التي كانت ولا زالت إحدي الفئات السينمائية التي ستظل محببة عند شريحةٍ عريضة جمهور الأفلام بمختلف فئاتهم العمرية.