سنة الإصدار: 2018
نوع الفيلم: سيرة ذاتية – دراما – تاريخ
كتابة: جوش سينجر
إخراج: داميان تشازل
بطولة: رايان غوسلينغ – كلير فوي
قصة فيلم First Man
يركز فيلم First Man علي حياة “آرمسترونج” والأحداث التي وقعت من 1961 حتي 1969، والتضحيات التي قام بها في سبيل تحقيق المستحيل.
يعد الهبوط علي سطح القمر أكبر إنجاز في تاريخ البشرية ورغم مرور حوالي 50 عام علي الإنجاز لم نشاهد تقريباً فيلم سينمائي ضخم يتناول هذا الإنجاز وذلك لعدة أسباب أبرزها 1- تفاصيل رحلة الهبوط علي سطح القمر معروفة تقريباً كما أن القمر يشبه إلي حد ما الأرض وليس به شيء خطير ككائنات ضخمة أو شيء من هذا القبيل يعول عليه صناع الفيلم من أجل الإثارة والتشويق 2- حياة “أرمسترونغ” الشخصية كانت بسيطة وعادية ولا تحتوي علي محطات مثيرة تجذب صناع الأفلام لعمل فيلم ضخم عن هذا الإنجاز العظيم 3- لم يأتي شخص طوال هذه السنوات يمتلك عيون “Damien Chazelle”، فكلما يصنع هذا المتميز فيلماً جديداً كلما أنبهر به أكثر فأكثر وأدرك كم يمتلك عيوناً مميزة، فرغم صغر سنه إلا أنه نجح في صناعة تحفتين موسيقتين نال عن إحداهما الأوسكار ليكون بذلك أصغر مخرج ينال هذا الجائزة، ثم يفاجيء الجميع بتغيير جلده وصناعة فيلم فضاء عن أكبر إنجاز في تاريخ البشرية، وكانت مهمة “Chazelle” في صناعة فيلماً حول إنجاز الهبوط علي سطح القمر صعبة جداً للأسباب التي ذكرتها سلفاً ولكني حين قلت أنه يمتلك عيون مميزة لم أقل هذه العبارة عبثاً، فقد أبهرني حين كسر كل قواعد أفلام الفضاء المعروفة وقدم فيلماً متميزاً ومختلفاً، حين ركز علي الفرد قبل الحدث، حين ركز علي الحلم والشغف والتضحيات قبل الإحتفاء بإنجاز أمريكا، حين وجد من قصة عديمة التشويق شيئاً أو بالمعني الأدق شخصاً يستحق التناول ألا وهو “أرمسترونغ” نفسه، فقد وجد فيه شيئاً فريداً يناسب عالم الأحلام الخاص به، لينضم بذلك “أرمسترونغ” إلي “أندرو”، و”ميا”، و”سيباستيان”.
السيناريو :
إن كنت تظن أنك علي وشك مشاهدة فيلم First Man شبيه بأفلام الفضاء المعتادة فأنت مخطيء تماماً فهذه حكاية عن رجل شغوف قام بتضحيات كبيرة من أجل حلمه وتحقيق المستحيل، وهذا هو سبب تميز فيلم First Man والذي سيجعله يحتل مكانة مميزة في فئته، حيث ركز الفيلم علي مرحلة ما قبل رحلة الصعود علي سطح القمر، قبل إلتحاق “أرمسترونغ” حتي بناسا حيث يدخلنا في عالمه الجميل المليء بالذكريات السعيدة قبل أن يأتي زائر غير مرحب به ليسرق أحد أفراد أسرته، ويترك تلك العائلة السعيدة في حسرة، ثم يكشف لنا بعد ذلك كواليس وتفاصيل إنضمام “أرمسترونغ” لناسا وإعداده هو ورواد الفضاء من أجل مهمة الصعود علي سطح القمر، وقد كان سيناريو فيلم First Man جيداً حيث نجح في إيجاد نقطة تميز للفيلم كما كان الحوار جيداً وبسيطاً وملائماً للشخصيات ولكنه كان يعاني من مشكلتين، الأولي والتي كانت متوقعة الإيقاع الهاديء طوال أحداث الفيلم مما أوقعه في فخ الملل، وهذه المشكلة تواجهني دائماً مع أي فيلم يشارك فيه “Josh Singer”، ولكن نجح “Damien Chazelle” بأدواته في التقليل من تأثير هذه المشكلة وسوف أوضح كيف فعل ذلك عندما أتحدث عن عنصر الإخراج، أما المشكلة الثانية فهي القفزات الكبيرة لعدة سنوات في الأحداث دون وجود أي رابط بينها.
الموسيقي التصويرية :
“Justin Hurwitz” ماذا علي أن أقول أكثر من ذلك؟!، فبموسيقي قادمة من عالم الأحلام إستطاع “Hurwitz” أن يقدم لنا مقطوعتين غاية في الجمال والروعة، الأولي (Quarantine) كانت دافئة ومحركة للمشاعر وأضفت علي الفيلم أجواء حالمة، أما الثانية (The Landing) فقد أعلنت عن إنتصار “أرمسترونغ” بعد لحظة صمت طويل حظي فيها بلحظته الخاصة بعدما خطي أولي خطواته علي سطح القمر، ونحن محظوظون بهذا التعاون العظيم بين “Hurwitz” و “Chazelle”، فالإثنين بموهبتهما الفريدة إستطاعا تقديم عدة تحف فنية أمتعتنا علي المستوي الفني وأشبعتنا جمالاً وذكرتنا لماذا نحب السينما!
التمثيل :
استمر “Chazelle” بنظام الثنائيات المعروف عنه، التلميذ والمعلم في (Whiplash)، عازف البيانو المحب للجاز والممثلة في (La La Land)، رائد الفضاء وزوجته في فيلم (First Man)، ودائماً ما تفلح هذه الطريقة وتؤتي ثمارها في الأوسكار نظراً لقدرة “Chazelle” علي إختيار الثنائي المناسب وإخراج أفضل أداء منهما حتي لتشعر من الإنسجام والكيمياء التام بينهما بأنهما “Couples” وليس مجرد ثنائي، وقد وقع الإختيار هذه المرة علي “Ryan Gosling” و”Claire Foy”، وقدم “Gosling” أداء رائع وتجسيد ممتاز لشخصية صعبة جداً نظراً لأن “أرمسترونغ” دائماً ما كان يُخفي مشاعره وأغلب إنفعالاته داخلية وبطريقة ما نجح العبقري “Gosling” في إيصال هذه المشاعر والإنفعالات الداخلية بدون أي تعبيرات وردود أفعال بإستثناء مشهد فقدانه لأحد أفراد أسرته والذي قدم فيه أداء درامي مؤثر جداً ومحرك المشاعر، أما “Claire Foy” فكان يقع علي كاهلها إبراز المشاعر المخفية لبطلنا وذلك في صورة زوجته فقد كانت تبرز مشاعر الدفء في الذكريات السعيدة للعائلة، ومشاعر الحزن والغضب المكبوت من إستمرار تجنب الزوج للأسرة والتركيز علي حلمه وعمله الذي يواجه فيه الموت كل يوم، إلي أن ينفجر هذا الغضب في الرحلة الأخيرة عندما يتجنب الزوج الحديث إلي أولاده، وقدم كلا النجمين أداءاً رائعاً يستحقان عليه الترشح للأوسكار.
الإخراج :
بعد ثلاثة أفلام موسيقية سابقة يخرج “Chazelle” من منطقة تميزه ويضع نفسه في تحدي جديد لإثبات أن موهبته المتميزة لا تقتصر علي فئة الموسيقي فقط، وقد نجح “Chazelle” في هذا الإختبار بجدارة فقد نجح في أخذ المشاهد في تجربة فريدة علي متن مركبته الفضائية إلي القمر، تجربة أنغمس فيها المشاهد بكل حواسه غير آبه للإيقاع الهاديء والممل للفيلم، وقد نجح “Chazelle” في ذلك من خلال الواقعية، حيث لم يعتمد علي التقنيات الحديثة واستخدم طريقة التصوير القديمة في تصوير الفيلم والتي كانت ملائمة لفترة الستينات التي وقعت خلالها أحداث الفيلم، إهتزاز الكاميرا في المشاهد داخل المركبات الفضائية والتي تبدو وكأنها مصاحبة لحركة هذه المركبات مما ساهم في إضفاء الشعور بالتوتر والإرتجاج، استخدام الكادرات القريبة في التصوير داخل المركبات الفضائية وهو ما ساهم في جعلنا نشعر بالإختناق وكأننا بداخل هذه المركبات، ولم يتوقف “Chazelle” عند هذا الحد بل ترك بصمته في عدة مشاهد غاية في الروعة لم أشاهد مثلها في فيلم فضاء من قبل، كما كان التنويع بين اللقطات القريبة والعريضة لتصوير المشاهد من داخل المركبة وخارجها رائع جداً.
في النهاية نجح “Chazelle” في تغيير جلده وتقديم فيلم First Man فيلم الفضاء إلا أنه كان بنكهة أعماله الموسيقية السابقة، حيث كان هناك تضحية في سبيل الصعود علي القمر، وهو ما يجعل رائد الفضاء ينضم إلي قارع الطبول الذي ضحي بحبيبته في سبيل السعي إلي الكمال، والحبيبان عازف البيانو والممثلة اللذان ضحيا بحبهما في سبيل حلمهما في عالم “Chazelle” للحالمين.
التقييم الشخصى :- 8.5/ 10